أسامة شحادة
ظهرت مؤخراً بشكل واضح وصريح كثير من المظاهر والنشاطات التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في داخل فلسطين والتي تحمل تشيعاً صريحاً غير مبطن !!
والغريب أن كثيرا من الطيبين من أهل السنة وقفوا مدهوشين أمام ذلك وبعضهم لا يزال يكذب الأخبار التي تصل عن ذلك ، رغم أنها موثقة بالصوت والصورة ومن مواقع حركة الجهاد الرسمية وتصدر عن القيادات الرئيسية للحركة والتي لا تزال تمارس دورها ، وهذا التعاطف مع حركة الجهاد هو ميزة وسلبية في آن واحد للطيبين من أهل السنة ، فهو من جهة يعبر عن شوقهم وحبهم للأرض المباركة وأهلها وإخلاصهم في الدفاع عنها ومساندة المجاهدين الأبطال رغم اختلاف المنهج وتعارض الفكر فهذه الميزة ، أما السلبية فهي سهولة خداعهم لطيبة قلوبهم وسلامة صدورهم فكل من رفع راية الجهاد يصدقونه ولو كان مخادعاً مكاراً ، وما حال ( أبى القعقاع محمد قولا غاصي ) ببعيد !!
ولما كان كثير من أهل السنة لا يعرف حقيقة الهوى الإيراني والشيعي لحركة الجهاد لانخداعه بصلاح ممثلها في بعض الدول وعدم متابعته لأدبيات وأفكار حركة الجهاد لزم التنبيه على ذلك وإقامة الدليل على عمق هذه الروابط وأنها منهج وفكر الحركة وليست سلوكاً سطحياً يراد منه استغفال إيران والشيعة للحصول على الدعم المالي، لأن الحقيقة أن حركة الجهاد منذ نشأتها تعتز بهواها الإيراني الشيعي وتناضل في سبيل تمكينه في فلسطين !!
بداية حركة الجهاد :[1]
تكونت حركة الجهاد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي من بعض الطلبة الفلسطينيين الدارسين في مصر ، وكان الدكتور فتحي الشقاقي هو محور هؤلاء الطلبة الذين كان منهم د. رمضان شلح الأمين العام للحركة اليوم و نافذ عزام وعبد الله الشامي ومحمد الهندي ، واستقطبت الحركة بعض كوادر فتح المتدينة في داخل السجون الإسرائيلية ومنهم تشكل الجهاز العسكرى للحركة ، وبعد ذلك تم تنسيق بين الحركة و" سرايا الجهاد الإسلامي " التابعة لفتح القطاع الغربي .
حدثت صراعات داخلية وتجاذبات في حركة الجهاد بين ثلاثة شخصيات هي : الشيخ أسعد بيوض التميمي خطيب المسجد الأقصى سابقاً والشيخ عبد العزيز عودة المحاضر بالجامعة الإسلامية بغزة والدكتور فتحي الشقاقي الذي استقرت له الأمور في حركة الجهاد.
وعلى كل حال فهذه الشخصيات الثلاثة كانت مغرمة بالنموذج الإيراني الشيعي !!
فالشيخ التميمي كان من المناصرين والمدافعين عن ثورة الخميني وهذا مشهور ومعلن فهذا ولده الأستاذ محمد أسعد بيوض كتب عن علاقة والده بالإيرانيين وثورتهم : " وبفضل الله أن والدي رحمه الله افترق مع هذه الثورة فورا عندما اكتشف حقيقتها المذهبية القومية المتعصبة وبأنه كان على خطا عندما ظن بها خيرا فكان من أشد أنصارها ... وتم هذا الافتراق بعد جلسة شهدت نقاشا صريحاً وواضحا من قبل والدي مع بعض قيادت الثورة وكيف أن ظنه بهذه الثورة قد خاب وأن جميع المنطلقات التي انطلق منها في موقفه المؤيد لها قد ثبت فشلها وأنها وهم وأنه لن يموت إلا على عقيدته السلفية و حب أبي بكر وعمر وكنت شاهدا على هذه الجلسة ".[2]
وأما افتتاحية موقع الشيخ أسعد بيوض التميمي فقد جاء فيها ما يلي : "ولقد بلغت ذروه جهاد الإمام المجاهد بتأسيسه لحركه الجهاد الإسلامي ( الفلسطينية ) في نهاية عقد السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم والتي تآمرت عليها إيران بأن شقتها ... وكان هذا الفعل بمثابة طعنة من الخلف بعد أن كان الشيخ يقف إلى جانب الثورة الإيرانية من أول يوم معتبراً إياها ثورة في الفكر الشيعي ولا يجوز الحكم عليها قبل تجربتها والتعرف عليها عن قرب ... ولكن للأسف الشديد كانت تجربة مرة حيث اكتشف الإمام المجاهد بعد حين بأن الثورة الإيرانية ما هي إلا ثوره طائفية مذهبية بخلفية قومية لا زالت تحمل الحقد الدفين على أبي بكر وعمر وجميع الصحابة وأهل السنة لذلك حصل بينه وبين إيران انفكاك لا رجعة فيه من عام 1991 " .[3]
أما عبد العزيز عودة والذي يلقب بالأب الروحي لحركة الجهاد فمعروف أنه من أوائل من أيدوا الثورة الخمينية في داخل فلسطين .
لكن ما يهمنا أكثر هو الكلام عن فتحي الشقاقي كونه أول أمين عام لحركة الجهاد والحركة ما زالت تتبع خطاه للآن عبر قيادة د. رمضان شلح .
الشقاقي (1951 – 1996 ) ولد في رام الله ثم انتقل إلى مخيم للاجئين في غزة ، سافر للدراسة في مصر ، وأصبح طبيب أطفال .
من الناحية الفكرية تدرج الشقاقي من الناصرية حيث أسس سنة 1966 جماعة ناصرية صغيرة ، بعد هزيمة 67 تحول للحركة الإسلامية وانضم للإخوان سنة 1968 و تركهم سنة 1974 بعد اختلافه معهم حول سياستهم تجاه إسرائيل .
وفي مصر اتصل بجماعات الجهاد ، اعتقل في القاهرة سنة 1979 بسبب تأليفه كتاب " الخميني : الحل البديل " ، وفي 1978أسس حركة الجهاد وأعلنت في 1980 ، عاد لفلسطين فتم اعتقاله سنة 1983 لمدة 11 شهر ، واعتقل مرة أخرى سنة 1986 لمدة 4 سنوات ، وتم إبعاده للجنوب اللبناني سنة 1988 ، وفي عام 1996 اغتيل الشقاقي في مالطا ، رحمه الله.
الشقاقي وجذور العلاقة بإيران :
خير من يحدثنا عن هذه العلاقة هو د. رمضان شلح صديق الشقاقي الوفي والقديم والأمين العام لحركة الجهاد الآن ، يقول شلح ([4]):" أنه عندما اندلعت الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979، طلبوا من الدكتور الشقاقي أن يشرح لهم أبعاد حركة الخميني، وأهدافها، لأن المقربين من الشقاقي وأنصاره لم يكونوا ملمين بحقيقة ما جرى، في البداية قرر أن يكتب دراسة في حدود عشر صفحات حتى يقرأها الجميع، لكن الفكرة تطورت إلى كتيب يطبع ويوزع في الأسواق وأذكر أنه نزل إلى القاهرة وأحضر بعض الكتب والمراجع حول الشيعة وحركة الإمام الخميني من المكتبات ومن جمعية آل البيت ، فألف ذلك الكتيب ( الخميني : الحل البديل ) ، الذي كتبت مسودته بخط يدي قبل أن يرسل للمطبعة ، وقد نزل الكتاب إلى الأسواق بعد وصول الخميني إلى طهران بأيام تقريباً في 16/2/1979م ".
هذه هي بداية العلاقة وأصل الحكاية فهي تعود لعام 1979 وليست وليدة السنوات القريبة !! كما أن الشقاقي استعان بجمعية آل البيت بمصر فهل يدل هذا على أن له بها علاقات سابقة ؟؟ هذا ما ينبغي دراسته وبحثه !!
وعند دراسة هذا الكتيب نجد أنه يعبر عن حالة عاطفية عالية مع قلة وعي ، فقد أورد الشقاقي في كتيبه عدد من الثورات والتجارب التي خدعت المسلمين سابقاً كجمال عبد الناصر وهواري بو مدين في الجزائر وأتاتورك وما جرى في السودان وليبيا من خطف النصر من بين يد المسلمين وتبرز في عرضه لهذه التجارب والأحداث عاطفة جياشة صادقة ترغب بالعز والمجد لهذه الأمة ، وقد ذكر الشقاقي بعض المؤامرات والمكائد والخدع التي تعرض لها المسلمون لتأييد بعض هذه الثورات ثم اكتشفوا حقيقتها ولكن بعد فوات الأوان .
ولكنه حين أتى عند ثورة الخميني تحول من كاتب عاطفي يدرك المؤامرات القديمة ، لكاتب مخدوع يمتاز بضعف الوعي وذلك أنه لم يتحصل على قواعد وأصول صحيحة يزن بها الأفكار والشخصيات وكم تعانى أمتنا من أمثال هؤلاء الكتاب والقادة !!
ففي مقدمة كتابه يصف الشقاقي الخميني وثورته بقوله: " مع انتهاء عام 1977م كانت الظروف الموضوعية قد نضجت للثورة محلياً: فساد هائل، وإسلامياً: وعي متزايد وتجربة فكرية وسياسية في غاية العلمية وفي إطار من الأطروحات الشيعية العصرية ـ التي اقتربت من أهل السنة ـ ضمن فترة من أنشط الفترات فكرياً في تاريخهم " ، وهذا يدلك على مدى هشاشة معرفة الشقاقي بالفكر الخميني وأنه رجل ساذج خدع ببعض الخطابات والشعارات الخمينية الدعائية !!
وفي الفصل الثاني والذي وضع له عنوان " الإمام الخميني المفكر والمناضل " !! وكال فيه المديح للخميني حتى أنه ساواه بالمرجع الخوئي وهذا فيه تجاوز كبير تاريخياً ، ورغم أن الشقاقي ينقل فقرات مطولة من كتاب الخميني " الحكومة الإسلامية " إلا أنه لعاطفته وقلة وعيه لم ير حقيقة فكر الخميني الذي سطره في كتابه " الحكومة الإسلامية " ويبقي هنا سؤال من أين حصل الشقاقي على كتاب " الحكومة الإسلامية " في القاهرة مترجماً إلى العربية سنة 1979؟؟ هل من جمعية آل البيت ، فيكون لها علاقة بثورة الخميني ؟ أم أن ثورة الخميني ترجمت الكتاب للعربية مبكراً وطرحته في الأسواق ؟؟ نجد جزاء من الجواب في مقدمة مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني لكتاب " الحكومة الإسلامية " والذي طبع سنة 1996م حيث تقول المؤسسة :" في خريف سنة 1970 طبعت(محاضرات الحكومة الإسلامية ) من قبل أنصار الإمام في بيروت بعد مراجعتها من قبله وأعدادها للطبع . ومن ثم أرسلت إلى إيران بشكل سري ، كما أرسلت في نفس الوقت إلى أوربا وأمريكا وأفغانستان وباكستان ليستفيد منها المسلمون الثوريون هناك ." ص 6 .
وفي هذا الفصل يفصح الشقاقي عن سبب علاقة ( حركة الجهاد ) بالخميني فيقول : " وتبقى هناك قضية هامة في فكر الإمام الخميني وممارسة الحركة الإسلامية في إيران ألا وهو موقفها من قضية فلسطين هذا الموقف الذي ينم عن وعي استراتيجي وتكتيكي بالغ الأثر والأهمية وهو موقف يجب أن تتأمله بقية الحركات الإسلامية لتأخذ منه الدرس والعبرة لا على مستوى النظرية فقط بل على مستوى الممارسة والتطبيق لأن المراوحة في المستوى النظري هي مراوغة تسمح لكل فكر فج ومائع بالبقاء في ميعه يؤدي دوره بشكل غير صحي." وهذه اللهجة الحادة نوعاً ما سببها خلاف السقاقي مع حركة الإخوان المسلمين حول طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية ، حيث يقول " ومن هنا نشأت العلاقة بين الحركة الإسلامية في إيران وفلسطين هذه العلاقة التي لا يمكن سبر كل أغوارها في مثل هذا الكتاب، وربما كان باستطاعتنا الإشارة لبعض جوانبها" ثم يذكر بعض بيانات الخميني المنددة بإسرائيل.
ويختم الشقاقى هذا الفصل بقوله " كنت أود أن أشير قبل ترك هذا الفصل أن الثورة الإسلامية في إيران ثورة إسلامية بمعناها القرآني الرحب.. إنها ليست ثورة طائفة دون طائفة، إن القواسم المشتركة بين جناحي المسلمين السنة والشيعة لتكاد بل هي فعلاً تشكل جسد هذه الثورة بدءاً من منطلقاتها وأهدافها ووسائلها وبواعثها.. إن الخلاف المطروح بين أهل السنة والشيعة حول إمامة الأئمة الاثني عشر وعصمة الأئمة - لا يشكل سلباً ولا إيجاباً - أي تأثير في طبيعة الثورة ومسارها.
ولكن حتى تكتمل موضوعية البحث لا بد لنا من دراسة سريعة لأصول الفكر الشيعي." وهذا يؤكد عاطفية الشقاقي وقلة وعيه بالفكر الشيعي الذي تناول أسسه في الفصل الثالث .
حين نقرأ ماذا كتب الشقاقي عن الشيعة تجده استند لكتاب كاشف الغطا " أصل الشيعة وأصولها " وهذا كتاب شيعي دعائي يراد منه خداع المسلمين وذلك أنه لا يورد الحقائق الصحيحة عن الشيعة ، بل يستخدم لغة دبلوماسية ، ولذلك تراه يثنى على الصحابة مثلاً ولكن لا يتبنى الموقف الصحيح وهو البراءة ممن يكفرهم !!
و عندما يستعرض الشقاقي أصول الشيعة فلا يدرك أبعاد " الإمامة " عند الشيعة وأنها ركن الدين من أنكرها كفر ، ولولا الإمامة لما بقي من مذهب الشيعة شيء !!
ويجعل الشقاقي أصول الشيعة أربعة :
1- العصمة : أي أن الأئمة الاثني عشر معصومون من كل خطأ وزلل ، ويورد الشقاقي رد أحمد أمين على الشيعة في كتابه (ضحى الإسلام) جزء 3 ص222 «لو كان لعلي كل هذه العصمة والعلم ببواطن الأمور وخفاياها لتغير وجه التاريخ ولما قبل التحكيم ولدبر الحروب خيراً مما دبر فإن قيل أنه علم وسكت وتصرف وفقاً لقدر فهو خاضع للظروف خضوع الناس تتصرف فيه حوادث الزمان كما تتصرف في الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء».
2- المهدي: وتعني لغة وديناً الرجل الذي هداه الله فاهتدى وأخذت عند الإمامية معنى «الإمام المنتظر» وهو لا يزال غائباً بين الناس وسيظهر فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهو محمد المهدي الذي اختفى نحو 260 هـ. وكان الكثير من الشيعة يرى أنه لا تقوم دولة الإسلام مرة أخرى إلا بظهور المهدي لكن موقف الإمام آية الله الخميني الذي رأى في هذا الانتظار دون التحرك لإقامة حكومة إسلامية أسوأ من نسخ الإسلام .
3- الرجعة: وتعني أن الله يرجع قسماً من الأموات إلى الحياة الدنيا ويعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلياً والحسن والحسين وباقي الأئمة وكذلك بعض خصومهم من الصحابة كأبي بكر وعثمان وعمر ومعاوية!! يرجعون إلى الدنيا بعد ظهور المهدي ويعذب من اعتدى على الأئمة وغصبهم حقوقهم أو قتلهم ولكن الإمام آل كاشف الغطاء يقول في كتابه أصل الشيعة وأصولها، «وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار وإن كانت ضرورية عندهم ولكن لا يناط التشيع به وجوداً أو عدماً» ص99.
4- التقية: هي عندهم كتمان الحق وسر الاعتقاد فيه مكاتمة المخالفين ترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا ويروى عن الإمام جعفر الصادق قوله من لا تقية له لا دين له وأجاز التقية في الدين عند الخوف على النفس وقد تجوز في حالة الخوف على المال وفي حالة الاستصلاح.
ويقول الإمام آية الله الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص142 «فلا ينبغي التمسك بالتقية في كل صغيرة وكبيرة وقد شرعت للحفاظ على النفس أو الغير من الضرر في مجال الأحكام.. أما إذا كان الإسلام كله في خطر فليس في ذلك متسع للتقية والسكوت» وتعتبر الشيعة موقف سكوت علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين كان تقية وكذلك موقف الحسن من معاوية.
واضح من عرض الشقاقي السابق للفكر الشيعي أنه عرض ساذج لم يعرف من التشيع إلا اسمه ، فأصل التشيع هو الإيمان بالإمامة من أنكرها فقد كفر ، ولذلك حين غفل الشقاقي عن هذا هون من حقيقة الخلاف بين الشيعة والسنة وظن أن المسألة سهلة يمكن التجاوز عنها ، وخاصة حين اعتمد على كتاب كاشف الغطا الغير معتمد داخل الشيعة لكونه للدعاية بين أوساط السنة .
ولذلك تجد تناقضاً في موقف كاشف الغطا في موضوع الرجعة عند قوله «وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار وإن كانت ضرورية عندهم ولكن لا يناط التشيع به وجوداً أو عدماً» ص99.
فهو غير لازم ! وإنكارها لا يضر ! وضرورية عندهم ! فأيهم الصحيح ؟؟؟
لاحظ أن كاشف الغطا لا ينكر أن أبا بكر وعمر والصحابة أعداء للائمة وأنهم سيعذبون على هذا !!! ولكن جهل الشقاقي وعاطفته أعمته عن فهم ذلك .
ويختم الشقاقي هذا الفصل بالسؤال عن حكم السني عند الشيعة فيقول : " والسؤال الذي يواجهنا الآن ما موقف الشيعة من أهل السنة.. أي من المسلم الذي لا يأخذ بالإمامة وينكر العصمة؟
ورغم أن الإمام الكليني يقول في كتابه الكافي: «لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه ويرد إليه ويسلم له» إلا أن بعضهم يفسر كلمة لا يكون مؤمناً أي لا يكون مسلماً شيعياً .
ويجيب الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء على هذا السؤال بشكل حاسم في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» قائلاً: «والإسلام والإيمان مترادفان ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان: التوحيد والنبوة والمعاد فلو أنكر الرجل واحداً منها فليس بمسلم ولا مؤمن وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني عليها الإسلام وهي خمس الصلاة والصوم ـ والزكاة والحج والجهاد الشهادة مرت في التوحيد.. فهذه الأركان الأربعة هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين ولكن الشيعة الإمامية زادوا ركناً خامساً وهو الاعتقاد بالإمامة» ص127 ـ وقد اعتبر الإمام آل كاشف الغطاء أن عدم الأخذ بالمبدأ الخامس مع الإيمان والعمل بالأركان الأربعة لا يخرج المسلم عن دائرة الإيمان والإسلام فيقول في نفس المصدر السابق «..وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فقط فهو مسلم مؤمن بالمعنى الأعم يترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته وغير ذلك لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامية يخرج عن كونه مسلماً ـ معاذ الله ـ نعم يظهر أثر التدين بالإمامية في منازل القرب والكرامة يوم القيامة أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء وبعضهم لبعض أكفاء» ".
وهنا تجد تناقضات غريبة من الشقاقي وتهاوناً عجيباً ، فكاشف الغطا يؤكد أن الإمامة ركن من أركان الدين !! ومعلوم أن من لم يأت بالركن يكفر! كما أن كاشف الغطا تلاعب حين ضم أركان الإسلام إلى أركان الإيمان ليخلط القضية .
ولذلك لم يسم كاشف الغطا علي أهل السنة مؤمنين بل مسلمين ، لأن الشيعة يرون أن أصول الإسلام قسمان : قسم من أتى به يترتب عليه جريان حكم المسلم كالتلفظ بالشهادة كأهل السنة ، وقسم آخر تتوقف عليه النجاة في الآخرة منها الاعتقاد بالإمامة !! ( لمزيد تفصيل راجع أصول مذهب الشيعة ، للقفارى ، 3/1305 ).
والخلاصة التي يصل إليها الشقاقي : " وبعد فمجمل القول بالنسبة للشيعة الاثني عشرية الذين يشكلون سواد الشيعة اليوم أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنه واحد أحد ليس كمثله شيء وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق من عنده وصدق المرسلين ويؤمن بجميع أنبياء الله ورسله وبجميع ما جاء به من عند ربه ويقولون بإمامة علي وولده الأحد عشر وأنّهم أحق بالإمامة من كل أحد وأنّهم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم بالإمامة هذا لا يوجب كفراً ولا فسقاً لأن إمامة شخص بعينه ليست من أصول الإسلام كما يرى أهل السنة.
وهم وإن كانوا أوجبوا إمامة الأئمة الاثني عشر لكن منكر هؤلاء الأئمة عندهم ليس بكافر ولا بخارج عن الإسلام وتجري عليه جميع أحكامه. كما يقولون بعصمة الأئمة الأثنى عشر وبعودة المهدي الموجود حياً بين الناس وإن أخطأوا في ذلك أو أصابوا فهذا لا يوجب كفراً ولا خروجاً عن الإسلام ومن أهم ما يؤخذ عليهم دعوى القدح في الصحابة الكرام ولكن بعضهم يبرأون من الغلاة ويقولون أن احترام أصحاب نبينا من احترام نبينا فنحن نحترمهم لاحترامه. في حين يقول بعضهم أن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم قد اغتصبوا السلطة من الإمام علي رضي الله عنه يقول آخرون منهم أن أبا بكر وعمر وعثمان اجتهدوا فأخطأوا." .
وبهذا يتضح أن عدم معرفة الشقاقي بمذهب الشيعة وانخداعه بالتقية الشيعية والشعارات الثورية ،مع نفسيته الرافضة لموقف الإخوان من القضية الفلسطينية ( فترة السبيعنيات ) جعلته مهيأ لقبول ودعم ومناصرة الثورة الخمينية .
تطور علاقة الشقاقي – حركة الجهاد بإيران والتشيع :
هذه بعض التصريحات والمقالات التي كتبها الشقاقي في مجلة "المختار الإسلامي" وغيرها ننقلها من موقع الشقاقي الرسمي على شبكة الإنترنت، ويلزم التنويه هنا أن مجلة المختار هي أحد منابر حركة الجهاد يقول الشقاقي " وحركة الجهاد الإسلامية ليست مجرد مجموعات عسكرية مقاتلة كما تصور أو سألنا كثيرون ولكنها إضافة إلى ذلك وربما قبل ذلك رؤية متجددة في العمل الإسلامي، رؤية منهجية تحدد بوضوح ووعي فهمها للإسلام وللتاريخ الإسلامي ولحركة التاريخ، كما للعالم والواقع أيضاً، ومنذ مجلة "المختار الإسلامي" التي صدرت في القاهرة 1979 إلى الطليعة الإسلامية إلى "الإسلام وفلسطين" إلى عشرات الكتب والنشرات والكراسات التي صدرت عن الحركة قدمت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إسهاما فاعلا في تطوير العمل الإسلامي المعاصر وهي لا زالت مستمرة في هذا العطاء بجانب الممارسة الجهادية ضد العدو المركزي للأمة." كما صرح الشقاقي لصحيفة اللواء اللبنانية بتاريخ 3/10/1990 ، بل لقد كان الشقاقي هو رئيس تحرير مجلة المختار في بداية نشأتها.
ولا تزال " المختار " تقوم بهذا الدور بقيادة د. محمد مورو ، ومن يطالع المختار الآن يجد بكل وضوح تأييد ثورة الخميني وحزب الله و حسن نصر الله والتهوين من حقيقة الخلاف العقدي بين السنة والشيعة ، وإن كان مورو قد أعلن أن تأييده لإيران قد ضعف بعد موقفها في العراق ولكن ليس لأنه فهم وأدرك حقيقة الفكر الشيعي .
هذه جولة مع بعض مقالات الشقاقي في مجلة المختار والطلائع حسب تاريخ النشر لنرى توطد العلاقة مع إيران والثورة وأنها أصبحت تبنى لكامل المنظومة الفكرية الإيرانية ، وسوف تكون النقولات مطولة لتوضيح الصورة كاملة ولا نتهم بالاجتزاء ، كما يجب التنبيه هنا أن أغلب هذه المقالات كتبها الشقاقي وهو داخل فلسطين حيث عاد لفلسطين في أول الثمانيات وأبعد لجنوب لبنان عام 1988 م.
1- في المختار الإسلامي – العدد (12) – السنة الأولى – يونيو 1980. كتب الشقاقي رثاءً بعنوان : وداعاً .. باقر الصدر : " ما أصعب الكتابة عنك... ما أصعب أن يكتب البشر الفانون من أمثالي عن الشهداء الخالدين... ما أصعب أن أكتب عنك يا سيدي، لا أدري أأرثيك... أرثي لنفسي... أم من أرثي هؤلاء القتلة الطغاة من ثوريي هذا الزمان وخصيانه في قصور بغداد.
في يوم ما، دلنى تعبى عليك... وجدت كتابيك العظيمين "اقتصادنا" "فلسفتنا" كان تعب جيل بأكمله.. التهمت.. امتلأت ثقة.. طال ظلك.. طالت قامتي.. تعانقنا كما التلميذ في حضرة أستاذ عظيم... والآن وفي هذه الساعة المتأخرة من هذا الليل يجيء نعيك... العالم يغط في النوم... بينما أنت تترجل عبر الأفق يا سيدي فارساً جميلاً وكوكباً تزفه النجوم.
2 - في العدد 14 – السنة الثانية – أغسطس 1980 كتب الشقاقي : " مما لا شك فيه أنه كلما تقدمنا في دراسة الثورة الإسلامية في إيران فإننا نجد أنفسنا أمام حدث عظيم، وظاهرة ومعجزة في التاريخ الحديث: أن يطرح دين مرّ على ظهوره أربعة عشر قرناً طرحاً ثورياً وديناميكياً فذاً، ومن خلال مضمون اجتماعي وسياسي وثقافي شامل..".
3 - العدد 21 – السنة الثانية – مارس 1981) ، في ذكرى مرور عامين على انتصار الثورة الإيرانية ، كتب الشقاقي مقالاً طويلاً جاء فيه : " لكن رحلة الثورة لم تكن ببساطة هذه الكلمات... كانت عناء فوق طاقة البشر وملحمة خلود لا يصنعها إلا رساليون محمديون حقيقيون... يا إلهي... أي مجد ينفلت من بين أصابع كف الإمام... وينتظرك يا أمة الإسلام... يا كل أمة الإسلام...
وحققت أول انتصار للإسلام في العصر الحديث، لقد عادت الحياة إلى هذا الجسد الذي ظنوه وقد أصبح جثة هامدة... إنه يستفيق من جديد... ينهض رائعاً وفتياً....
ويبقى السؤال المهم: كيف تحقق الانتصار؟!
القيادة الرسالية: والتي تمثلت كأفضل ما يكون في شخصية الإمام الخميني الذي جاءت مراحل حياته معبرة أصدق تعبير عن الشخصية الإسلامية التي جاء الإسلام ليقدمها للبشرية سراجاً منيراً وقدوة فذة... فهو بداية مسلم شديد الالتزام... ثوري ذو بصيرة نفاذة وحس ورؤية صائبة في أحلك الظروف... شجاع لا يعرف المساومة أو التخاذل، مسكون بعذابات المسلمين وأوجاعهم، في صدره إحساس الحسين بالمسؤولية وفي دمه رؤية الحسين الفذة لمعنى الشهادة...
في حين كان محور حركة الإخوان المسلمين كحركة رائدة في الوطن الإسلامي هو تربية الفرد وكان محور الحركة الكبرى الأخرى – الجماعة الإسلامية في باكستان – هو مواجهة التحدي الفكري فإن محور الحركة الإسلامية في إيران كان يدور حول فكرة الجهاد بما يشمله هذا المعنى من تربية للفرد ومواجهة للتحدي الفكري. من هذا المنطلق تقدمت الحركة الإسلامية في إيران في صياغة نظريتها الثورية، والتي جاءت منبثقة من الإسلام كأصالة وتراث وتاريخ كما جاءت ثمرة سنوات طويلة من التطور السياسي والروحي والفكري...
لا يتسع المجال للحديث عن كل جوانب وانعكاسات الثورة الإيرانية وسنكتفي بإلقاء الضوء على بعض الجوانب الحركية والفكرية:
1- حققت الحركة الإسلامية في إيران ما فشل فيه الكثيرون من الإسلاميين وهو إيجاد حركة سياسية فعالة، قادرة على إسقاط النظام السياسي المقابل ومهما كان شرساً وقوياً.
2- أسقطت من أذهان الجميع – خاصة مسلمي ومستضعفي العالم – ذلك الرعب من الدول والقوى الكبرى.
3- كما جاء الانتصار ليسقط الكثير من التبريرات والمفاهيم حول كيفية صياغة نظرية ثورية للحركة الإسلامية ويبرز مفاهيم جديدة مضيئة وبذلك قدمت للحركات الإسلامية في العالم رصيداً ضخماً من التجربة والإبداع الحركي.
4- أسقطت مقولة استحالة قيام حكومة إسلامية في هذا العصر وأثبتت عملياً أنه لا يمكن قيام حكومة حقيقية وجماهيرية في منطقة الوطن الإسلامي إلا إذا كانت حكومة إسلامية شكلاً ومضموناً، كما أسقطت الكثير من المقولات الفكرية التي كانت تطفو على السطح بدءاً بمقولات الماركسيين إن الدين أفيون الشعوب ورجعية رجال الدين وبقية المسلمات والبديهيات الماركسية!!! وانتهاء بمقولة بريجنسكي عن انتهاء زمن الثورات الشعبية.
5- طرحت مفهوم وحدة المسلمين [الجامعة الإسلامية] من خلال مفاهيم سياسية واضحة بعد عقود طويلة من التغريب وانزواء هذه الفكرة إلى الظل.
السنة والشيعة... ضجة مفتعلة: ...ونحن بداية نطرح أمام سكان الوطن الإسلامي السؤال التالي: الذين يهاجمون الثورة الإيرانية هل يفعلون هذا لكونها إسلامية أم يفعلونه لكونهم يسمونها شيعية؟
إن كانوا من الصنف الأول أي أعداء الإسلام فقد كفونا عناء الرد عليهم في مثل هذا المقال... أما إن كانوا من الصنف الثاني فإنا والله لا نجد لهم يوماً في التاريخ الإسلامي نستطيع أن نجالسهم فيه... لأنهم سيبقون دوماً خارج هذا التاريخ سواء بالمفهوم الزماني، أي إذا كان زمانهم ما قبل بعثة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أم بالمفهوم السياسي والثقافي ونقصد إسلامهم – غير واعين – بعملية غسيل المخ الذي يشرف عليها الغرب وهنا نطرح سؤالاً آخر... ألا يدري هؤلاء أن شقة الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة هي أشد من تلك التي بين السنة والشيعة، ومع ذلك لم نسمع عن فقيه إسلامي أفتى بعصيان أمير المؤمنين إن كان معتزلاً [المأمون مثلاً كان معتزلاً] وكان الأصل هو السمع والطاعة لمثل هذا الأمير حتى لو كبل أحمد بن حنبل (رضي الله عنه) بالقيود وجلده بالسياط وألقاه في غياهب السجن.
ولقد ناقشت المختار الإسلامي (عدد 10) جوهر الخلاف الفقهي بين جناحي الأمة السنة والشيعة ونود هنا أن نطرح الموضوع من زاوية أخرى....
وعندما وصل إلى باريس وسئل عن أصول الثورة قدم الإمام رؤيته الثورية الفذة "إن السبب الذي قاد إلى انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة يوماً ما لم يعد قائماً اليوم... كلنا مسلمون... هذه الثورة إسلامية... نحن جميعاً إخوة في الإسلام".
وعندما توجه الحجاج الشيعة إلى مكة أمرهم أن يفعلوا كما يفعل علماء السنة قائلاً: [افعلوا كما يفعلون حتى لو اعتقدتم أنه خطأ... يجب أن تتبعوهم] ...
وفي التلفزيون الإيراني كانت تعقد الندوات لشرح أفكار الإمامين الشهيدين حسن البنا وسيد قطب والحديث عن دورهما الرائد في الحركة الإسلامية... وقرأت إذاعة طهران على مستمعيها النص الكامل لكتاب سيد قطب الهام "معالم في الطريق" على حلقات...
أما قضية عنصرية الفرس أو الإيرانيون فليست أكثر من مهزلة إعلامية ومزحة سخيفة ساقطة، فالذين حولوا الإمبراطورية الشاهنشاهية إلى جمهورية إسلامية وتخلصوا من كل الرموز الفارسية والساسانية وأحلوا محلها آيات القرآن والأحاديث الشريفة، الذين يهاجمون الأحزاب القومية والعلمانية والذين صرخوا في وجه الإنجليز [أيها الكلاب أخرجوا من بلادنا] في حين كان والد صدام حسين يعمل خادماً في السفارة البريطانية في بغداد... هؤلاء ليسوا عنصريين... هؤلاء ليسوا أحفاد رستم ياعدو سعد ودين سعد... ولو أردنا أن ننتقل بالحوار إلى مستوى آخر لقلنا لك إن الإمام الخميني وأبو الحسن بني صدر ليسا فقط من أصل عربي ولكنها أيضاً ينتميان إلى بيت النبوة العظيم.
كلمة أخيرة: أيها المسلمون... في يوم ما وقف حفيد الرسول الأعظم... الحسين بن علي ليطلق صيحته التي ذهبت في الزمان حجة خالدة [ألا هل من ناصر ينصرنا... ألا هل من ناصر ينصرنا]...
لبيك يا سيد شباب أهل الجنة لبيك يا ابن بنت رسول الله، والله لا يخذلك إلا جاهل... إلا حاقد... إلا عدو لجدك ودين جدك عليه أفضل الصلاة والسلام.
4 - العدد 27 ـ السنة الثالثة ـ 15 شعبان 1401 هـ 17 أغسطس 1981م ، عن تأثير ثورة الخميني على حركته وأفرادها : " لقد أدرك مسلمو فلسطين (الوطن ـ الجراح) خاصة بعد الانتصار الإيراني أن الخلاص لن يأتي إلا من خلال فوهات البنادق التي تحملها الأيدي المتوضئة ولهذا لم يكن غريباً تصريح المسؤول اليهودي الذي قال: (إن الدعوة إلى أصول الدين التي ألهبتها حركة آية الله الخميني في إيران أدت إلى تشكيل حركة سرية مسلحة) وتصريح مسؤول آخر (إنّ شبح الخمينية على عتبة دارنا.. إنّه شبح مقلق) كما لم يكن غريبا استقلالية هذه المجموعة المجاهدة عن تأثير حركات سابقة فهي تأتي من تخوم بيت المقدس تبدع مسيرتها وتكبر فوق هذا المحور المقدس (القدس ـ طهران) الذي سَيُميِّز الطيب من الخبيث ويرسم ملامح الصعود الإسلامي العظيم.
وأخيراً هل يكون غريباً أن يكتب أحد أعضاء (أسرة الجهاد) فوق جدران زنزانته مخاطباً الإمام الخميني: (أية الله .. لقد كانوا يسحقون عظامي هذه الليلة.. جسدي متعب.. متعب يا والدي فمتى تأتي؟) ".
5- كتب الشقاقي مقالا طويلاً في الدفاع عن إيران ومهاجمة أهل السنة في إيران وفقاً لرواية إيران ، ويمكن العودة لكتاب " أحوال أهل السنة في إيران ، لعبدالله الغريب لمعرفة حقيقة القضية التي روج لأكاذيبها الشقاقي بجهله وانخداعه بالإيرانيين، مقاله هذا جاء في مجلة الطليعة الإسلامية ( مجلة تابعة لحركة الجهاد )– العدد (2) (شباط/ 1983):
"ولأن خطر المد الإسلامي أكبر من أن يتحمله الغرب فقد بدأت في الشهور الأخيرة أساليب جديدة لاستخدام ورقة الفرقة والتجزئة تظهر إلى السطح.
ففي إيران عدة ملايين من السنة وللسنة علماؤهم من الواعين الملتزمين بخط الثورة الإسلامية والحريصين عليه، كما أن هناك البعض من مدعي العلم والمتسلقين على بساطة بعض جماهير المسلمين وأصحاب المصالح، تماماً كما أن في الشيعة أمثال شريعة مداري و(نجمن حجيته) التي تمثل التاريخ المتخلف ذا الأفق الضيق والمحدود والتي أصبحت الآن تقف على هامش الساحة بعد ازدياد الوعي الإسلامي لدى الملايين من الشعب المسلم الثوري. ونظراً لأن قوى الهجمة المضادة للإسلام لن تهدأ في صراعها ضد الصعود الإسلامي حتى يهيمن دين الله ومنهجه على العالم بأسره فإن هذه القوى استغلت التركيبة المعقدة للشعب الإيراني وبدأت تحاول إثارة مسألة الشيعة والسنة بطريقة جديدة.
في العدد الصادر يوم 18 ديسمبر 1982 من مجلة (المجلة) تحقيق بقلم أمير طاهري حول الشيخ عثمان النقشيندي أحد شيوخ الطرق الصوفية في المنطقة السنية من إيران يهاجم النقشبندي الإمام الخميني ويعلن أنه خرج من إيران ليبدأ في قيادة أتباعه ضد نظام الخميني من الخارج. كما أن هناك محاولة أخرى لإقامة ضجة حول مسألة فرض الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد مفتي زاده. ولأن قضية الشيخ مفتي زاده هي الأكثر أهمية فسنؤجل الحديث حولها إلى ما بعد مناقشة مسألة النقشبندي.
من المعروف أن الطرق الصوفية قد ازدهرت ازدهاراً كبيراً في نهاية العصر العثماني الإسلامي، وكان لذلك أسباب ونتائج ليس هذا موضع الحديث عنها، والحق أن للصوفية تاريخاً طويلاً من الجهاد والدعوة في الوطن الإسلامي الحديث... ولكن ما حدث في الفترة الأخيرة أن بعض مشايخ الطرق الصوفية وفي ظل الجهل والتخلف قد أغرتهم مكتسبات المشيخة فأصبحوا يتصرفون في وطننا وبين أمتنا، وكأنهم سادة إقطاعيون يسلبون حقوق الجماهير المستضعفة في وطننا وبين أمتنا، وكأنهم سادة إقطاعيون يسلبون حقوق الجماهير المستضعفة ويعيشون مرفهين مترفين على عرقها وكدها، وذلك تحت شبهات من التدين والولاء للإسلام. والشيخ عثمان النقشبندي أحد مشايخ الطريقة الصوفية النقشبندية المنتشرة في أجزاء من تركيا وإيران والعراق، وهو يتصرف في مناطق أتباعه تصرف السيد المطاع في أراضي الناس وأموالهم ومصائرهم ويعتبر أن لا سلطة هناك فوق سلطته.. والأسوأ من ذلك أن أبناءه الذين أغرتهم هواية السلطة والتسلط لا يتورعون عن القيام بأيِّ شيء في تلك المناطق يؤكد هيمنتهم على البشر. في عصر الشاه لم يكن للنظام أي اهتمام بما يفعله الرجل فمنهجه واضح أن لا تدخل في الشؤون السياسية ما دامت هيمنته على أتباعه مستمرة ومتواصلة، ونظام الشاه لم يكن ليهتم كثيراً بما يفعله النقشبندي وأمثاله فالمنطقة بعيدة عن العاصمة وليست ذات جدوى إقتصادية كبيرة وكل ما كان بعيداً عن عاصمته وأفراحها وعن مصايفة وفسقها لم يكن ذا أهمية، وهكذا تعايش الشاه بسلطته مع الصوفية وطرقها. بعد الثورة الإسلامية وتصاعد التوجه نحو المناطق السنية أم في المناطق الشيعية. وأمام تعسف الإقطاع القبلي ولا إنسانيته لم تقف الحكومة الإسلامية صامتة أبداً وواجهت الجرائم بحزم وبما يفرضه العدل والواجب الإسلامي. وفي العديد من المناطق الشيعية والسنية تحطمت أوكار الإقطاع وتقدم الإسلام نحو المستضعفين لتحريرهم وإنقاذهم من القهر الإجتماعي والفكري... والحقيقة أن الموضوع لم يثر الكثير من الضجة في الإعلام العالمي الذي تعود على مهاجمة الإسلام في إيران... إلا أن مسألة النقشبندي اعتبرت فرصة سانحة لفتح باب من الحرب المضادة على الجمهورية الإسلامية فالرجل صوفي سني ومسألة (شيعة – سنة) هي الإطار المناسب لأهداف القوى الإستعمارية الآن. ولذا فقد أسرع أمير طاهري الصحفي السابق في (إطلاعات) الإيرانية في زمن الشاه والذي يعمل الآن في (المجلة) و(الصنداي تايمز) والذي كان معروفاً تماماً بعلاقته الوثيقة بدوائر السافاك التي كانت تسلمه المقالات الجاهزة لنشرها في الصحيفة، أسرع طاهري إلى مقابلة النقشبندي وأسرعت (المجلة) إلى إفراد صفحتين للمقابلة. والحق يقال أن المنشور في المقابلة قد كفانا مؤونة النظر والتحليل فالرجل يقول: (إنهم انشأوا محطة إذاعة ماريفان في الآونة الأخيرة وهي لا تستخدم إلا لمهاجمة أسرتي) وهو بالطبع لم يذكر لماذا؟ لم يذكر للقراء جرائم أبنائه وتعديهم على حقوق الناس. ويقول أيضاً: (لقد ظللت دائماً على رأيي في أن رجال الدين يجب ألا يتدخلوا في السياسة اليومية. واليوم وقد أصبح الخميني رجلاً سياسياً يعمل بشكل سافر فإنه ليس هنالك من سبب يدعوني إلى تغيير مبادئي)... ولا نجد هنا من داع للتعليق على ما يدعيه الرجل من فهم الإسلام يخالف أصول الإسلام الأساسية ولكننا نسأل: إن لم تكن السياسة هي السبب فما الذي يدعوه إذن لمعارضة الثورة والخروج من إيران لإعلان الحرب ضدها؟ فالشيخ عثمان زاهد في السياسة ولكنه – بدون شك – غير زاهد في الأراضي والأموال والتسلط الاجتماعي الذي كان يمارسه وهذا هو بالتحديد ما دعاه إلى الخروج. الغريب أن ما قصده طاهري من المقابلة كان إثارة مسألة الشيعة والسنة ولكن النقشبندي في حديثه لم يجد ما يتهم به الإمام إلا إنه رجل سياسة وإنه رجل دين شيعي غير معتمد في شيعته... ونحتار نحن القراء بين المؤامرات وأجزاء المؤامرات!!
قضية النقشبندي واضحة لا تحتاج إلى مزيد من الإهتمام ولكن القضية الأهم هي مسألة الشيخ الكردي السني أحمد مفتي زاده الذي وضع منذ شهور تحت الإقامة الجبرية، فيما سجن بعض أتباعه ولم يتقرر بعد هل سيقدمون لمحاكمة أم سيفرج عنهم بعد حين. الخبر نشرته الشقيقة الكبرى (مجلة الدعوة) الصادرة من فيينا في عددها الأخير تحت عنوان مثير على صفتحين، ذاكرة أن الشيخ أحمد مفتي زاده كان دائماً من المؤيدين للثورة، وقد قاتل وأتباعه ضد المنحرفين الإنقساميين في المنطقة الكردية في الشهور الأولى للثورة، وقد كان له بعض المطالب التي سعى إلى تجميع علماء السنة في إيران قبل عدة شهور ضمن مجلس شورى في طهران ليبحثوها ويعلنوها للحكومة، وأن الإجتماع دعي إليه مندوب من وزارة الداخلية ولكن الحكومة لم تراع تاريخ الرجل، وسارعت إلى القبض عليه وإيداعه السجن منذ عدة شهور وحتى الآن. هذا باختصار ما نشرته الشقيقة الدعوة. والحق يقال أننا في(الطليعة الإسلامية) قد قررنا أن نرفع صوتنا في هذا العدد ضد تصرف الحكومة الإيرانية فالرجل ليس قاسملو ولا عز الدين الحسني والجميع يعرف أنه وقف مع الثورة الإسلامية منذ الأيام الأولى .. ولكننا خلال الأسابيع الماضية قمنا بتحري الأمر والتدقيق فيه من عدة مصادر ووجهات نظر فوجدنا أن الأمر مختلف إلى حد ليس ببسيط عما نشرته (الدعوة) ونحن ندرك بثقة أن الصورة الكاملة الصحيحة لو كانت قد توافرت للأخوة في (الدعوة) لما كان موضوع الشيخ مفتي زاده قد أخذ الصورة التي نشر بها.
الشيخ أحمد مفتي زاده هو ابن الشيخ مفتي زاده... وقد كان الوالد عالماً جليلاً وكبيراً من علماء السنة المسلمين في المنطقة الكردية من إيران، وبعد وفاة الوالد تسلم الابن مكانه وخاصة في إدارة المعهد الديني في ساننداج وقد انتقل ولاء أتباع الوالد إلى الابن في منطقة تتسم بعلاقات الولاء القبلي ومليئة بالمشاكل والعقد التاريخية. ويقول الكثيرون أن الشيخ أحمد رجل فاضل ولكنه أبداً لم يكن في مثل حكمة وعلم والده، ولكنه وقف منذ بداية الثورة الإسلامية في إيران مع خط الإمام الخميني... ولأنه يعرف جيداً أن عز الدين الحسيني لم يكن إلا لعبة في يد الشاه فقد رفض موقفه المعارض للثورة. كما أن مسؤوليته الإسلامية قد منعته من تأييد قاسملو وجماعته الذين تربطهم روابط عديدة بالدوائر الإستعمارية العالمية، والذين يحملون تصوراً غربياً لا علاقة له بالإسلام. وفي السنة الأولى للثورة وحين احتدم الصراع بين أعداء الإسلام والحكومة الإسلامية في المنطقة الكردية وقف الشيخ أحمد مع الحكومة الإسلامية وقاتل أتباعه مع الحرس الثوري ضد أعداء الثورة.
في ذلك الوقت أو قبله بقليل أرسل الشيخ أحمد مبعوثاً إلى العالم والمفكر المسلم الكبير أبو الأعلى المودودي – رحمة الله عليه – يسأله الرأي. فأجابه المودودي قائلاً: (يا شيخ أحمد هذا وقت الواجبات فأدوا واجبكم تجاه ثورة الإسلام وبعد أن يستقر حكم الإسلام طالبوا بالحقوق)... ولكن الشيخ أحمد لم يلتزم طويلاً بنصيحة المودودي رحمه الله، وسرعان ما أعلن قائمة بالمطالب للحكومة معطياً إياها مهلة 15 يوماً للإجابة... وكان من هذه المطالب إنشاء جامعة في ساننداج تحت إشرافه وعدة مشاريع ثقافية وعمرانية تحتاج إلى سنوات للإعداد لها فما بالك بإنشائها. وكان المرحوم آية الله بهشتي على علاقة دائمة بالشيخ أحمد وقال يومها: (الشيخ أحمد جيد لكنه عجول). المهم تمت تهدئة الوضع بعد إنذار الـ 15 يوماً، ودارت أحداث متعددة في كردستان طلب على إثرها الشيخ مفتي زاده من الحكومة أن توفر له مكاناً خارج ساننداج لأنه لم يعد باستطاعته مواجهة الضغط الذي تمثله الجماعات المنحرفة والتي كانت تدفع إلى البسطاء كميات هائلة من الأموال التي حصلت عليها من العراق وغير العراق لتحريضها على العصيان، ولم ترغب الحكومة الإسلامية في أن تكون علاقتها بالشعب علاقة الرشوة فرفضت أن تستخدم الوسيلة ذاتها. وبناء على طلب الشيخ أحمد وفرت الحكومة له منزلاً في كرمنشاه بعيداً عن منطقة الصراع وصرفت رواتب لأتباعه المتفرغين وكان له كامل الحرية في الإتصال بجماعته بكردستان أو أن يحضروا إليه في أي وقت، واستمر الأمر على هذا الوضع، في حين واصلت الحكومة المركزية محاولاتها لتعزيز الأمن والإستقرار في كردستان ومطاردة العملاء والخارجين فيما كانت قوافل (جهاد البناء) مستمرة في الوصول إلى القرى بغير سلاح إلا الجرارات وأدوات البناء لمساعدة المنطقة المحرومة على النهوض. وكل يوم يسقط من شباب (جهاد البناء) العديد من شهداء معركة النهضة الحضارية الإسلامية في كردستان.
ولكن الأمور لم تستمر على ما هي عليه مع الشيخ مفتي زاده... ففجأة عاود الشيخ أحمد همهماته وحديث عن مطالب جديدة وبدا أن هناك إتصالات في الخفاء للترتيب لشيء ما، وإذا بالشيخ يعلن أنه دعا بعض العلماء السنة من ساننداج وبلوشتان وتركمانستان (من عشرين إلى ثلاثين) إضافة إلى حوالي ما بين 200-300 من أتباعه، إلى إجتماع في منزله بكرمانشاه – وليس في طهران كما نشر من قبل – والحقيقة أن الشيخ مفتي زاده لم يأخذ تصريحاً من الحكومة لعقد الاجتماع بل إن قائد الحرس ومحافظ كرمانشاه نصحاه بألا يفعل مثل ذلك ولكنه رفض طلبهما وأصر على عمله. وفي الإجتماع تلا بياناً شديد اللهجة مطالباً بمجلس شورى جديد في البلاد يتقاسمه الشيعة والسنة بالتساوي وتعديلات في الدستور وتغيير الآذان في كل أنحاء البلاد برفع (أشهد أن علياً ولي الله) من الآذان، ومهدداً في بيانه باستخدام السلاح ضد الحكومة إن لم تنفذ المطالب فوراً. بعدها اضطر المحافظ والحرس إلى التدخل لفض الإجتماع وقد اعتقل الموجودون وأفرج عن معظمهم بعدها بقليل حين اتضح أنه لم يكن لهم أي دور في المسألة، واعترف بعض أعوان الشيخ أحمد بتقليهم أموالاً من دولة عربية،وأن المسألة كانت أكبر حتى مما تصوره الشيخ أحمد... والمؤكد أن أحداً لم يسئ إليه بأيِّ شكل من الأشكال والمسألة أنهيت بهدوء والموضوع بأكمله الآن أمام رأيين: الأول أن يفرج عن الجميع بعد أن أصبح واضحاً لهم ولغيرهم كم كان عملهم بعيداً عن روح الإسلام، والثاني أن يقدموا للمحاكمة وأمام قاضٍ سني كما ينص الدستور بتطبيق فقه المذاهب الإسلامية أياً كانت حيث تتواجد أكثرية من أتباع المذهب.
هذا هو شريط الأحداث الذي جرى في مسألة الشيخ مفتي زاده، أما خلفية الأحداث فهذا ما سنبحثه الآن:
منذ حوالي سنة أو يزيد بدأت حملة متوازية من نشر الكتب المسطرة من موقف شيعي وسني على ما يبدو عليها، يطعن فيها الشيعة بالسنة ويطعن السنة بالشيعة وقد طبعت كتب مشبوهة وسيئة السمعة في مصر والخليج وباكستان والأرض المحتلة وإيران نفسها، وبدا واضحاً أن الأمر ليس صدفة فقد بيعت الكتب بأسعار لا يمكن أن توازي قيمتها بل وأحيانا وزعت مجاناً كما حدث في موسمي الحج الأخيرين وكان لا بد أن يتساءل المخلصون: لمصلحة من هذا؟
وقد تزامنت مشكلة الشيخ مفتي زاده مع هذه الأحداث، ومطالبه التي أعلنها يعرف هو شخصياً قبل أي شخص آخر أنها غير منطقية وغير معقولة: فمسألة الآذان يعرف الجميع أن هذا الجزء منه ليس واجباً لدى علماء الشيعة ولا يعتبر إلا جزءاً من الآذان تعود الناس عليه لمئات السنين، بما يجعل مسه بشكل مبكر وسريع أمر غير معقول وغير منطقي وقد يثير الكثير من عواطف الناس، فإن كانت المسألة مسألة التقريب فالملاحظ أن هناك العديد من الخطوات التي أعلنها الإمام الخميني من أجل وحدة الأمة، من إقامة صلاة الجمعة إلى التغيير الجوهري الذي طال مجالس العزاء وأوقف بشكل نهائي مسائل التفرقة التي كان يشجع عليها حكام الجور، ودعوته المتواصلة إلى تكافل الأمة وبث روح الوحدة بين جماهير المسلمين الشيعة في إيران حتى أصبحت الصلاة خلف إمام شيعي أو سني مسألة عادية بين المسلمين في إيران وخارجها، وأيضاً إعطاء العديد من المناسبات الدينية الشيعية مدلولاتا وحدوية إسلامية مثل (أسبوع الوحدة) و (يوم المستضعفين)... الخ. كما أن مسألة التقريب ليست بالمسألة الهينة التي يمكن أن تؤخذ فيها خطوات مفاجئة وتحل ببيانات التهديد من هذا الطرف أو ذاك فما زرعة التخلف والإستعمار على مدى قرون طويلة يحتاج منا صبراً وأناة وبحث حتى يمكن حله. أما مطلب حل مجلس الشورى وتقسيمه بالتساوي بين الشيعة والسنة في إيران فهو أصلاً مطلب غير منطقي وغير واقعي وهو كذلك لا ينم إلا عن روح طائفية أو عن طقس مؤامرة. وقضية تعديل الدستور قضية ليست بالجديدة وهي مهمة مجلس الخبراء الذي لم تم إنتخابه إلا قبل شهر واحد فقط والجميع يأملون في أن يسعى المجلس في أقرب فرصة إلى حل هذه المشكلة التي أعلن منذ مدة طويلة أن الإمام الخميني أوصى بحلها.
ولكن كل ما مضى لا يفي لتوضيح الصورة تماماً، ولنتمكن من ذلك فلنبحث عن الوجه الآخر للمشكلة: هل كان الشيخ مفتي زاده هو وحده طرف الأحداث الأخيرة أم أن هناك هجمات أخرى؟ لقد اعترف بعض أتباع الشيخ بأنهم تلقوا أموالاً من الخارج وأن ما تم كان حسب تخطيط مسبق من بعض الجهاد التي كانت تدعي الإسلام ويهمها أن ترى مشاكل المسلمين وتتفاقم ومحاولات وحدتهم تسقط، والمفاجأة في الموضوع أن شبكة من المعممين الشيعة يقدر عددهم بحوالي 15-20 فرداً أُلقي القبض عليهم أيضاً بنفس التهمة، تهمة تلقي أموال من الخارج ونشر الدعايات والكتب السيئة التي تدعو للتفرقة بين المسلمين الشيعة والسنة، ولكن أحداً لم يشر إلى هذه المسألة لأن إثارتها خارج إيران قصد بها عزل الثورة الإسلامية عن جماهير الملايين من المسلمين السنة في المنطقة العربية بالذات. وحتى يزداد الأمر وضوحاً فالذين تم اعتقالهم من الشيعة ينتمي بعضهم إلى اتجاه (نجمن حجتيه) المتخلف ذي الأفق المحدود والذي وجهت له الثورة الإسلامية ضربات موجعة بنشر الفكر الثوري الإسلامي وبطرح ولاية الفقيه، فأعادته إلى حجمه الطبيعي كقوة هامشية في المجتمع الإسلامي داخل إيران. وقد وزع هؤلاء البيانات والكتب التي تتهم الحكومة القائمة في إيران بالابتعاد عن مذهب آل البيت (!) وأنها دولة غير شرعية (!) وتحارب المذهب الشيعي (!) بل والأكثر من ذلك اعتبارهم آية الله العظمى المنتظري سنياً وليس شيعياً (!) كما أشاعوا أفكار للتفريق بين السنة والشيعة... وسنذكر هنا إسماً واحداً من هؤلاء لعله يكفي لتوضيح حجم المؤامرة، وهو محمد رضا مامقاني المعتقل الآن مع الآخرين الذين سيقدمون جميعاً لمحكمة الإسلام حسب أوامر الإمام المعلنة بأن لا فرق بين أحد أمام القانون الإسلامي.
نرجو أن نكون بذلك قد أوضحنا جانباً من صورة المسلمين في كل مكان، فالمؤامرة تتحرك بهدوء وهي مستمرة ما دام الحق في تصاعده والإسلام في نهضته، ذلك أن كل القوى من أعداء دين الله ومنهجه، كل القوى التي يرعبها أن يتحرك المستضعفون من المسلمين ويستلموا زمام أمرهم ويدحروا إلى الأبد قوى التسلط الغربية وأدواتها... هؤلاء جميعاً مستمرون في محاولتهم لتثبيط الصعود الإسلامي وإيقاف قيام الجماهير المسلمة.
إن أهدافهم واضحة: فقد كانت تجزئة الوطن الإسلامي إلى عشرات الوحدات الصغيرة وتجزئة الأمة إلى مذاهب وفرق وطوائف متناحرة، كانت هذه التجزئة إحدى أهم أدواتهم في السيطرة الإستعمارية والهيمنة والنهب على مر القرون، واليوم بوادر وحدة الأمة أرضاً وشعباً تلوح في الأفق لن يكون أمامهم إلا المواصلة من جديد لإبقاء التجزئة والتناحر والشقاق.
فلتعِ جماهير الأمة حجم المؤامرة... وليعِ أبناء الحركة الإسلامية أدوارهم ولنقف جميعاً في مواجهة الغرب ومؤامراته فهذا لن يكون إلا عصر الجماهير المسلمة... عصر إنتصارها... عصر صعودها... وعصر هيمنة منهج دينها الحق.
6- في عام 1985 ألف الشقاقي كتابه " السنة والشيعة ضجة مفتعلة ومؤسفة " حشد فيه المواقف المؤيدة و الداعمة للثورة الإيرانية والعقيدة الشيعية من بعض أهل السنة غير المطلعين على حقيقة الثورة والفكر الشيعي .
7 – وفي مقابلة مع صحيفة اللواء اللبنانية بتاريخ 3/10/1990 أجاب الشقاقي بما يلي:
ما هي علاقتكم بكل من إيران وسوريا وحزب الله؟
ـ لقد قدمت الثورة الإيرانية نموذجا للإسلام المقاوم والثوري أكد قدرة الإسلام على الفعل السياسي المؤثر وقيادة الجماهير كما أعطى الإمام الخميني لحياة الإيرانيين وبقية المسلمين معنى جديدا في عالم تسيطر عليه قيم المادة والإفساد.
وكان لهذا أثره علينا كما على أغلب المسلمين في العالم، ولكن حركتنا التي تنظر إلى الثورة الإسلامية كحليف وصديق للمسلمين في مواجهة الشرك والكفر والاستكبار ـ هي حركة مستقلة تماما تقيم الموقف الإيراني ضمن:
1 ـ الموقف والالتزام الإيراني بالإسلام كنظام حياة وممارسة والموقف من الوحدة الإسلامية في إطار يتجاوز البعد القومي والمذهبي الطائفي.
2 ـ الموقف من القضية الفلسطينية.
الموقف الإيراني من هاتين المسألتين هو الذي يحدد موقفنا وعلاقتنا بإيران أما حزب الله فقد تركت نشاطاته العسكرية ضد العدو الصهيوني انطباعا إيجابيا داخل فلسطين المحتلة بل كانت عمليات حزب الله الاستشهادية حلم كل شاب فلسطيني، ونحن نعتز بصداقة حزب الله وجهاده كما نعتز بصداقة أي حركة إسلامية مجاهدة.
أما النظام العربي فلا علاقة رسمية تربطنا بأي طرف من أطرافه.
هل صحيح أنكم اتهمتم بالتشيع؟.
ـ كانت هذه ضجة ومحاولة مؤسفة لصرف الشعب عن جهادنا وإنكارنا حول خصوصية ومركزية فلسطين وضرورة الجهاد الآن، لقد كانت مؤامرة فموقفنا من التشيّع لم يتجاوز موقف ورأي أئمة وعلماء وقادة المسلمين من أهل السنة قيد أنملة.
8- وفي مقابلة مع جريدة العهد ـ بيروت ـ فبراير 1992 ، بمناسبة يوم القدس والجهاد :
في الوقت الذي تلتهب فيه القدس المحتلة بالشهداء والجرحى، كيف تفسرون نداء الإمام الخميني الراحل وإعلانه آخر جمعة من شهر رمضان يوما للقدس العالمي؟
ـ علاقة الإمام الخميني بالقدس وفلسطين ليست حديثة فقد كانت قضية فلسطين وبيت المقدس مواكبة لمراحل جهاد ونهضة الإمام بعد مطلع الستينات ........
كيف يمكن أن نلبي هذا النداء؟
ـ كل يلبي النداء من موقعه، المجاهدون في فلسطين يشددون من ضرباتهم ضد العدو الصهيوني بالطلقة والحجر، بالتظاهرات والإضراب...
كونكم الأقرب إلى واقع الانتفاضة كيف تجدون تفاعل الانتفاضة مع نداء الإمام الخميني الراحل؟
ـ الحقيقة أنه منذ أن أطلق الإمام الجمعة الأخيرة من رمضان يوما للقدس والوطن المحتل في هذا اليوم يعيش يوما مشهودا من المواجهة والصدام والتظاهر، وعندما حاول البعض وقف الانتفاضة لأربع وعشرين ساعة في يوم القدس من العام الماضي، خرجت الجماهير وحولت ذلك اليوم إلى نقمة على المحتل ـ وكان يوم القدس في العام الماضي من أعظم أيام الانتفاضة، كما أشير أن مدينة القدس تتميز في هذا اليوم بسبب وجود المسجد الأقصى وحضور الآلاف، والآلاف من كل أنحاء فلسطين، كي تعقد الحلقات والاحتفالات ويتظاهر المسلمون.
ما رأيكم بالحصار المفروض على المقاومة الإسلامية في جبل عامل؟
ـ المقاومة الإسلامية في لبنان موضع فخر وعزة جميع المسلمين في العالم وحصارها لا يمكن أن يكون في مصلحة المسلمين أو العرب أو لبنان وعلى كل لبناني ومسلم غيور أن يكون جنديا في هذا الصف المجاهد ضد عدو الأمة المركزي. إننا نتمنى أن ينتهي هذا الحصار وأن تتوحد جميع الجهود والطاقات ضد "إسرائيل" التي تريد شرا بلبنان.
9– في محاضرة للشقاقي بعنوان : "الثورة الإسلامية في إيران والثورة الفلسطينية جدل مقدس " ألقيت يوم 22/2/1993 بدمشق ، قال الشقاقي : الثورة الإسلامية في إيران أحد أبرز معالم وأحداث القرن العشرين ....الثورة الإسلامية في إيران غيرت وجه المنطقة وأثرت عميقا في العالم وتركيبته ومستقبله إلى وأطلقت الصحوة الإسلامية التي لازالت حديث الدنيا ....لقد عاد انتصار الثورة الإسلامية للمسلم في كل مكان من العالم ثقته بعقيدته ودينه ....لقد جعل الإمام الخميني (رضي الله عنه) لحياة المسلمين معنى وأعطاهم الأمل بأن التغيير ليس ممكنا وحسب بل وحتمي أيضاً، وهكذا انطلق مشروع الثورة الإسلامية على صدى نداءات وشعارات الإمام ليغطي مساحات واسعة من العالم وخاصة الوطن الإسلامي . ولأسباب يمكن فهمها كان صدى الثورة الإسلامية في فلسطين من أوضح وأقوى الأصداء.
...وهكذا سنرى انعكاس الثورة الإسلامية على الواقع الفلسطيني يشمل مستويين مختلفين: الأول هو واقع الثورة الفلسطينية في الخارج وتوجهات قيادتها وارتباطاتها وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية ...أما المستوى الثاني فهو الداخل الفلسطيني الشعبي شاملاً الأرض المحتلة منذ العام 1948.
...فالصحوة الإسلامية التي أطلقتها الثورة الإسلامية كانت تنبت في فلسطين ثورة جديدة تتنامى شيئاً فشيئاً تطوي القلب على الإسلام وتنطلق من المساجد والحارات الشعبية وعلى مدى الثمانينات كان صعود حركة الجهاد الإسلامي والجهاد المسلح في فلسطين، ..... كل هذه الأسباب اجتمعت وتوقفت أمام عنصر التفجير الأساسي الذي سيطلق الشرارة ويحافظ على ديمومتها لأكثر من خمس سنوات: الإسلام المجاهد إلى تلك الروح التي أطلقتها الثورة الإسلامية لتنبت في فلسطين بعد هذه السنوات.
واليوم لازال خط الثورة الإسلامية في إيران حياً متيقظا رغم كل هذا الحصار ورغم كل المؤامرات. ولا زالت الانتفاضة المباركة حية قوية مستمرة، والعالم أجمع يشهد على جدل العلاقة القائمة، بين طهران والقدس إلى والمستكبرون يحاولون فصم عرى هذه العلاقة، ومعهم أدواتهم في المنطقة وإعلامهم وأجهزتهم المختلفة. ونجاح هذه المؤامرة على أي مستوى من المستويات سيضرب في الصميم رسالة الثورة الإسلامية ودور الجمهورية الإسلامية. فالقدس هي درة أي مشروع إسلامي ثوري اليوم إلى ولا رسالة لأي ثورة إسلامية أو حركة إسلامية أو قوة إسلامية بدونها.
...إن التأثير الكبير للثورة الإسلامية في إيران على الصحوة الإسلامية في فلسطين وانطلاق الانتفاضة المباركة واستمرارها بزخم إسلامي وبشعارات إسلامية يعطينا فرصة تاريخية لا يجب أن نفقدها.
10 – كلمة الشقاقي في احتفال المستشارية الإيرانية بدمشق في ذكرى يوم القدس بتاريخ (26/3/1992) : " كم كان ملهماً وموفقاً الإمام الخميني رضوان الله عليه وهو يجعل من جمعة رمضان الأخيرة يوماً للقدس، بعد شهر من الصيام والقيام والتطهر من أدران الدنيا وأوساخها وفيما المسلمون في ذروة العبادة عليهم أن يتذكروا القدس وأن يجعلوها في مركز اهتمامهم ".
11 – وفي لقاء مع وكالة الأنباء الإيرانية (ارنا) 1/3/1994م حول تأثيرات الإمام الخميني على المنطقة وفلسطين :
بنظركم ما هو تأثير انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتطلعات ورؤية الإمام الخميني (قده) في القضية الفلسطينية على مسار الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط؟
ـ انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني هو الذي أطلق الصحوة الإسلامية في المنطقة وهو الذي أعطى دفعة قوية لصعود الإسلام في فلسطين خاصة ...
إعلان يوم القدس العالمي واحدة من الابتكارات المهمة للإمام الخميني (قده) في المجلس السياسي. هل أن تأمين إقامة مراسيم يوم القدس جاءت بالقدر المرجو والمتوقع.
ـ الاستكبار العالمي حارب هذا الإنجاز الخميني العظيم ويحاول محاصرته عبر الأنظمة التابعة التي ترى في يوم القدس رعبا يطاردها ولذا تمنع الشعوب المسلمة من إقامة المراسم المناسبة لهذا اليوم العظيم.
ولكن منذ اليوم الأول لإطلاق الإمام ليوم القدس كانت القدس والمسجد الأقصى خاصة من أول المستجيبين لنداء الإمام حيث يتوافد المؤمنون من كل أنحاء فلسطين للاحتفال بهذا اليوم العظيم. إنه يوم لإحياء الإسلام والرسالة حقا.
إلى أي حد استلهمت الانتفاضة أهدافها وأساليبها من ثورة الإمام وإلى أي مدى تقترب الانتفاضة من مواقف الإمام في القضية الفلسطينية؟
ـ باختصار شديد، الانتفاضة ثمرة من ثمرات الصحوة الإسلامية التي أطلقها الإمام الخميني رضوان الله عليه في المنطقة عامة وفي فلسطين خاصة. ولذا فهي على المستوى الشعبي انتفاضة إسلامية تتحرك بأفق إسلامي وشعارات إسلامية مثل تلك التي تعلمها شعبنا من ثورة الإمام المبدعة العملاقة وهي على المستوى الشعبي تتجه نحو الأهداف الإسلامية في دحر الاحتلال والتحرير بعيداً عن المراوغة والحلول الوسط والتفريط بالثوابت تلك الأساليب التي حاربها الإمام في ثورته ونحاربها اليوم في انتفاضتنا.
باختصار لقد جاء البعد الإسلامي في الانتفاضة تجسيداً لموقف الإمام الإسلامي والثوري من القضية الفلسطينية" .
والآن بعد هذه الجولة المطولة في فكر الشقاقي يتبين لنا عمق ارتباط الشقاقي بالثورة الإيرانية والفكر الشيعي ، مما يفسر بوضوح الممارسات على أرض الواقع من تشيع بعض كوادر الحركة بداية ومن ثم على شكل نشاطات لنشر التشيع في داخل فلسطين ، ولكن الهوى الشيعي الإيراني جعل الشقاقي وأعوانه ينسون ذلك ويبدؤون في تنفيذ المخطط الإيراني لتصدير التشيع و كسب التنظيمات السنية لتنفيذ المخططات الإيرانية .
بعض ممارسات حركة الجهاد بوحي من ثورة الخميني في حياة الشقاقي :
- تبنت حركة الجهاد في مناهجها الداخلية لتثقيف أفراد الحركة العديد من الكتب الفكرية للثورة الخمينية الشيعية ، والتي كانت تدرس لكافة أفراد الحركة بل حتى للأسرى في سجون الاحتلال .
- حرصت الحركة على تنفيذ فكرة الخميني بالاحتفال بيوم القدس في أخر جمعة من رمضان .
- بعد إبعاد الشقاقي من فلسطين تم إعادة تشكيل التنظيم كون القيادة أصبحت في الخارج ، وعلى ضوء ذلك تم تعزيز علاقات الحركة بالثورة الإيرانية وحزب الله وحركة التوحيد الموالية لإيران – الشيخ سعيد شعبان في طرابلس –وتجمع العلماء المسلمين في لبنان .
- قام أحمد مهنا أحد كوادر حركة الجهاد بالانشقاق وتكوين " حزب الله / فلسطين " سنة 1990 وقد تعثر هذا التنظيم ولم يستمر.
- نفذت الحركة العديد من عملياتها تحت أسماء مختلفة منها " شهداء كربلاء " !! وذلك قبل عام 1993م حيث أصبحت عمليات الحركة تتم تحت إسم " قسم " . [5]
- رغم كل هذه العلاقة والهوى مع إيران إلا أن الشقاقي يصرح لجريدة أخر خبر 10/6/1994 : أن الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية هو دون موقفها السياسي وأن المأمول أكثر مما هو متحقق !![6]
العلاقة مع إيران والتشيع بعد الشقاقي :
يحسن بنا أن نلخص رؤية الخبير بالشؤون الإيرانية صباح الموسوي حول طبيعة العلاقة بين الشقاقي والإيرانيين في ختام حياته رحمه الله ، يقول الباحث الموسوي في بحثه " من باع فتحي الشقاقي للموساد؟ " :
" ... فعلى الرغم من مضي عقد كامل على تلك الجريمة إلا أن هناك العديد من التساؤلات المتعلقة بها بقيت من غير جواب... وهناك من غُيـّب جسديا أو سياسيا حتى لا يكشف ما عنده من معلومات قد تجيب على تلك التساؤلات التي طرحت عقب مقتل الشقاقي. ومن بين هؤلاء المغيبين أشخاص كانوا على صلة قريبة بشقاقي، وبعضهم كانوا مسؤولين كبار في حركة الجهاد الإسلامي ولكنهم اختفوا أو أقصوا من مواقعهم ولم يتكلموا إلى اليوم على الرغم من استطاعتهم الإجابة على الكثير من التساؤلات التي طرحت ولكنهم لم يفعلوا ... مع بداية الثورة الإيرانية وسطوع نجم الخميني وضع الشقاقي كتابه المعروف "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل" الأمر الذي لفت نظر الإيرانيين الذين كانوا يتصيدون الفرص ليستغلوا المؤمنين من أصحاب النوايا الحسنة والعواطف الصادقة ليتخذوا منهم وسيلة لتحقيق أهدافهم التوسعية، فكان الشقاقي بعواطفه النبيلة وأيمانه الصادق وقضيته العادلة خير من يمكن استغلاله حسب رأيهم ولهذا وجدوا في امتعاضه من الجمود الحركي لدى إخوان المسلمين تجاه القضية الفلسطينية، وتأثره بالثورية الخمينية، وحماسه الشديد لتكوين حركة إسلامية مسلحة في فلسطين فرصة لكي يعرضوا عليه المساعدة لدعمه وهي الفرصة الذهبية التي ما كان لشقاقي أن يرفضها... من عام 1981 وحتى عام 1988 ، تاريخ إبعاده إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، كان الشقاقي يتابع بدقة السياسة الإيرانية ويرى الاختلاف ما بين الشعارات التي كانت تعلن ابان انتصار الثورة والتي تفاعل معها مثله مثل سائر الملايين من العرب والمسلمين، وبين ما آلت إليه تلك الثورة وكيف انحرفت من مسيرة اسلامية إلى طائفية معادية للعرب. وحين اخذ يتردد على طهران ويلتقي المسؤولين الإيرانيين ويحتك بهم عن كثب، بدأت تظهر له الصورة الحقيقية، لهذا سعى إلى تكوين علاقات جديدة مع دول عربية تغنيه عن اعتماده الكلي على الدعم الإيراني. فبدأ بإجراء اتصالاته مع ليبيا والسودان فضلا عن سوريا التي اتخذ منها مقرا رئيسيا له ولقيادة الحركة وقد لقي الدعم من ليبيا ومن السودان التي فتحت أبواب جامعاتها ومعسكراتها لأنصار حركة الجهاد وهو ما جعل الشقاقي أكثر تحرر من الضغوط الإيرانية. وحسب ما نقله لنا أحد قادة الحركة السابقين فان ما كانت تقدمه ليبيا في عام يساوي ما تعطيه إيران بخمسة أعوام وكان هذا يغيظ الإيرانيين كثيرا حتى بدأت الهوة تزداد اتساع بينهم وبين الشقاقي الذي كان يواجه مطالب الإيرانيين في كثيرا من الأحيان بالرفض القاطع. ومن ابرز الأمور التي وسعت من رقعة الخلافات بين الطرفين رفض الشقاقي إلغاء منصب مرشد الحركة الذي كان يشغله "الشيخ عبد العزيز عودة" حيث كان الإيرانيون يصرون على أن تحذو حركة الجهاد الإسلامي حذو حزب الله باتخاذ قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي مرشدا عاما لها ولكن الشقاقي رفض ذلك وكثيرا ما كان ينتقد الأسلوب المتعالي للإيرانيين وتحقيرهم العرب أمامه بين حين وآخر وصار الإيرانيون يتهمونه بالانحياز لميوله القومية أكثر من الانحياز لميوله الإسلامية.
وفي آخر سفرة له إلى طهران في شهر رمضان من عام 1415هـ أي قبل استشهاده بثمانية أشهر حصل الطلاق الغير معلن بين الشقاقي والإيرانيين. ففي تلك السفرة التي رافقه فيها مسؤول العلاقات الخارجية للحركة آنذاك أبو احمد (عصام الناطور)، تم حجز الشقاقي ورفيقه في بيت شمال طهران ولم يسمح له بالخروج منه إلى المدينة كما قُطع عنه الهاتف ولكن بعد فترة شهر بأكمله، تمكن الشقاقي، وبعد مفاوضات مضنية، من إقناع الإيرانيين بإطلاق سراحه ورفيقه بعد أن أقنعهم بأنه سوف يقطع علاقاته بليبيا ويلغي منصب المرشد العام للحركة ويلبي الشروط الأخرى التي كان الإيرانيون يصرون عليها ومن ضمنها أن يكونوا هم من يختار زمان ومكان العمليات العسكرية التي تنفذها الحركة ضد قوات الاحتلال بالإضافة إلى ضرورة تصعيد خطاب الحركة المعادي للرئيس ياسر عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية وهو ما كان يرفضه الشقاقي دائما وكان يصر على توجيه الانتقاد بدل الهجوم والتشهير على غرار ما كانت تفعله بعض التنظيمات الفلسطينية التي تحظي بدعم إيران آنذاك من أمثال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة احمد جبريل وحركة فتح الانتفاضة بقيادة أبو موسى و أبو خالد العملة وغيرها.
كان الإيرانيون ومنذ أن أخذت خلافتهم تتصاعد مع الشقاقي قد بدأوا بتهيئة البديل له وقد وقع اختيارهم على الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام الحالي للحركة الذي يعد من الأشخاص الأوائل الذين التحقوا بحركة الجهاد عندما كان طالبا بكلية الاقتصاد في مصر، وحين انتقل من الأراضي المحتلة إلى أمريكا صار يتردد علي إيران وتمكن من بناء علاقات جيدة مع أطراف متنفذة في القرار الإيراني وذلك بعد أن اظهر لها ميوله للمذهب الشيعي وتهجمه المستمر على الخط العروبي والرئيس الراحل ياسر عرفات.
كانت زيارات رمضان شلح النادرة إلى دمشق لا تطول أكثر من أيام محدودة. غير أن هذه المرة دامت قرابة الخمسة أشهر قبل أن يعلن عن استشهاد الشقاقي. وفي اليوم الذي كان من المقرر أن يصل فيه الشقاقي إلى دمشق قادما من مالطا عن طريق قبرص خرج رمضان شلح برفقة المسؤول الإعلامي في الحركة آنذاك لاستقباله وحينما هبطت الطائرة في مطار دمشق ولم ينزل منها الشقاقي قال المسؤول الإعلامي المرافق لشلح "يبدو أن الأخ أبو إبراهيم لن يأتي اليوم" كانت هذه الكلمات كافية لكي يعدم الرجل في لبنان بأمر من الدكتور رمضان شلح لاسباب بقيت مجهولة إلى الآن.
بعد مقتل الشقاقي تم إلغاء منصب المرشد العام للحركة وعزل الشيخ عبد العزيز عودة من منصبه وأصبح المرشد الإيراني علي خامنئي هو المرشد وهو المرجع لحركة الجهاد، كما تم عزل عصام الناطور مسؤول العلاقات الخارجية والمطلع على كثير من أسرار الخلافات بين الشقاقي والإيرانيين كما تم أبعاد عدد من المسؤولين عسكريين من أمثال أبو جهاد في لبنان.
كما تم إلغاء كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب من المنهاج الفكري للحركة وأصبحت كتب القادة الإيرانيين هي المعتمدة خصوصا بين الأعضاء في الخارج، وهناك الكثير من الأمور الأخرى التي لا تسعها هذه المساحة " .
وهذه الأسئلة التي طرحها الباحث الموسوي على حركة الجهاد توضيحها !! لأننا نرى تطبيق لوازمها في سلوك الحركة في هذه المرحلة ، أما قضية أن الشقاقي قد تبينت له أمور نفرته من إيران فهذه تحتاج أدلة أوضح لأننا لا نملك مؤشرات تدل على ذلك .
قادة حركة الجهاد اليوم والتشيع :
قادة حركة الجهاد الحاليون لهم مواقف واضحة من تبني ودعم حركة التشيع على المستوى العقدى والمستوى السياسي ، وهذه بعض المواقف :
1- يقول أحد زعماء المتشيعين في مصر وهو د. أحمد النفيس في كتابه " رحلتي مع الشيعة والتشيع في مصر " ص 28 عن مرحلة سجنه بعد اغتيال السادات :
في مثل هذا الجو الذي يخيم عليه الجهل لم يكن من الممكن الدخول في أي حوار يتعلق بخط أهل البيت أو حتى بالثورة الإيرانية حيث يعتمد الجميع العقيدة الوهابية الطحاوية التي تخص أتباع أهل البيت بالتكفير باستثناء وجه واحد عايشته في زنزانتي قرابة العشرة أشهر إنه " نافذ عزام " المتحدث الرسمي الآن باسم الجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين في قطاع غزة ذلك المجاهد الذي رسخ في قلبي حب القائد العظيم ( روح الله الخميني ) لقد كان ذلك المجاهد جزءا من مجموعة الشهيد بعد ذلك فتحى الشقاقي التي رافقتنا في تلك الرحلة حتى قرب نهايتها ولا زلت أذكر كلماته عن ذلك الأمل الذي تمثله الثورة الإسلامية في إيران بالنسبة للشعب الفلسطيني المظلوم ولقد كان الرجل من الصادقين في توقعاته " . ولا يزال عزام من المروجين علنا لنموذج الثورة الإيرانية .
2- سبق أن مر بنا أن الأمين العام لحركة الجهاد د. شلح هو الذي نسخ مسودة كتاب " الخميني والبديل " .
3- يقول د. شلح عن علاقته بحسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني :" السيد حسن نصر الله أخ صديق وحليف إستراتيجي ... أول مرة انتبهت له كانت في نهاية عام 1989 كنت في زيارة لبيروت وكان د.فتحي رحمه الله عائداًً من احتفال لـحزب الله خطب فيه السيد حسن فكان الدكتور فتحي يتحدث عنه بانبهار شديد .. فعندما راجعت الدكتور وأبديت استغرابي من فرط إعجابه به قال لي عن السيد حسن وبحضور أخوة ..( إذا قدر له أن يعيش فسيكون خميني العرب ) "[7].
في مقابلة مؤخراً مع شلح لصحيفة الحقيقة بتاريخ 22/8/2007 تبدو العلاقة قوية جداً مع إيران لدرجة أنه لم يستطع الدفاع عن دماء الفلسطينيين في العراق ولو بكلمة !!
" ■ الحقيقة الدولية: ما حقيقة قيام إيران بتقديم دعم لحركة الجهاد الإسلامي؟
دعم إيران للشعب الفلسطيني ليس سرا فلقد أعلنت إيران دوما عن استعدادها لدعم الشعب الفلسطيني وعندما زار إسماعيل هنية إيران أعلنت إيران عن تقديمها ربع مليار دولار لدعم الشعب الفلسطيني ولكن القضية التي لا يجب إغفالها انه في الوقت الذي تعلن إيران عن تقديم دعم للشعب الفلسطيني يتقاعس العرب عن تقديم هذا الدعم فكان لابد لإيران من ملء هذا الفراغ. ( هذا غير صحيح فالدعم العربي والإسلامي الشعبي والرسمي للشعب الفلسطيني يفوق دعم إيران ، وكذلك الدعم الشعبي لحماس يفوق إيران ، لكن دعم إيران لحركة الجهاد يفوق الدعم العربي والشعبي لها . الباحث )
■ الحقيقة الدولية: وما هي علاقتكم بحزب الله؟ وهل يوجد تنسيق بينكم على الأرض؟
رغم عدم وجود تنسيق بيننا وبين حزب الله على الأرض لان لكل منا ظروفه التي تختلف عن الآخر إلا أن علاقاتنا بحزب الله جيدة انطلاقا من قاعدة التحالف ضد المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يريد الهيمنة على المنطقة.
■ الحقيقة الدولية: ولكن ألا يوجد لديكم تحفظات على دعم إيران للنظام الحاكم في العراق الموالي للولايات المتحدة؟
نحن لا نتفق مع الإخوة في إيران فبينما نثمن دعمها للمقاومة في كل من فلسطين ولبنان فان لدينا تحفظات على دعمها للمهادنين للاحتلال في العراق لان ذلك ليس في مصلحة إيران نفسها وقلنا هذا للإخوة الإيرانيين وسوف تثبت الأيام هذا."
3- الشيخ عبد الله الشامي وعمر شلح يعلنان عن تبعيتهم لمرشد الثورة الإيرانية على خامنئى في احتفالات الحركة .[8]
4- هشام سالم مسئول جمعية غدير الشيعية الإسم والمحتوى.
5- محمد البيومي يتبنى الفكر الرافضي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وهو حاليا متواجد في إيران .
6- محمد الطوخي ممثل الحركة في إيران تشيع .
7- بحسب مجلة الوطن العربي 24 /3/2000 م من بين الذين تشيعوا من عناصر الحركة في المخيمات في لبنان: شريد توهان من مخيم الرشيدية في لبنان، ومحمد قدورة من صور، ومسؤول الحركة في جنوب لبنان محمد المجذوب.
نشاطات حركة الجهاد الحالية في نشر التشيع في داخل فلسطين :
هذه بعض الجهود لحركة الجهاد في نشر للتشيع بشكل مكثف داخل فلسطين ، رغم أن الشقاقي قال في كتابه " الشيعو والسنة ضجة مفتعلة ومؤسفة " ص 64 : " ليس في فلسطين شيعي واحد " ولكن بفضل جهوده وجهود حركته انتشر الضلال والشرك والبدعة في فلسطين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
1- أقدمت صحيفة الاستقلال بتاريخ 11/ 1/2007 م، على نشر مقال خطير فيه لمز وتعريض بالصحابي الجليل أبي سفيان، قد تكرر هذا من صحيفة "الاستقلال" - التابعة لحركة الجهاد الإسلامي– بنشر مقالات تطعن بالصحابة ، ناهيك عن مقالات التمجيد والتبجيل لحسن نصر وحكومة إيران .
2- إذاعة صوت القدس التابعة للجهاد تبث بشكل واضح أفكار تشجع على التشيع .
3- حركة الجهاد بإرسالهم جرحى فلسطين للعلاج في إيران! ويتم هناك الضغط عليهم للتشيع .
4 - تأسيس مجموعة من الجمعيات التي تباشر التبشير الشيعي، ولهذه الجمعيات أنشطة بين طلبة الجامعات وتقوم بترتيب دورات في داخل البيوت للترويج للفكر الشيعي مثل :
أ. جمعية الإحسان الخيرية مقرها الرئيس في مدينة غزة ولها فروع في كافة أنحاء القطاع .
ب. جمعية غدير ومسئولها هشام سالم ومقرها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة
ج. جمعية رياض الصالحين مقرها في مدينة غزة
هـ. جمعية أرض الرباط مقرها أيضا في مدينة غزة ومسئولها عبد الله الشامي .
و. جمعية آل البيت وتم الإعلان عن تأسيسها حديثا كما وأعلنوا من خلالها عن بداية تأسيس جامعة تحمل اسم جامعة آل البيت وهم حاليا بصدد بنائها .
ز. في محافظة بيت لحم فتم إنشاء اتحاد الشباب الإسلامي وبعض المؤسسات التي تنشر التشيع.
5 - طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة ، وأطلقوا عليها "الطبعة الفلسطينية".
6 - تنظيم العديد من المهرجانات تارة باسم القدس وتارة باسم الشهداء ولكن هي في الحقيقة إحياء لذكرى الخميني وبداية الثورة الإيرانية وغيرها من المناسبات الرافضية .
7 - إقامة مؤتمر في مدينة غزة بدعوى توحيد المسلمين وكان الهدف الرئيس هو الترويج أن لا فرق بين السنة والشيعة وأن الفروق مع هذه الفرقة الضالة إنما هي فروق سطحية .
8- حشد بعض الوعاظ السذج ودفع أموال لهم لتسخيرهم لنشر فكرهم الرافضي في المساجد.
9- توزيع كميات من الكتب التي تتعلق بالمذهب الرافضي وكذلك الكتب التي تتحدث عن الثورة اليرانية وغيرها ومن بين هذه الكتب : لأكون مع الصادقين للتيجاني وليالي بيشاور وولاية الفقيه ومختارات من أقوال الخميني وغيرها .
10 - ترتيب منح دراسية للسفر إلى إيران للعديد من الطلبة ناهيك عن سفر أعضائهم إلى إيران بشكل دوري مستمر .
11 - أعلن عن تشكيل تنظيم جديد في فلسطين المحتلة يحمل اسم "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين". وقال بيان المجلس الذي صدر في رام الله وحمل توقيع "محمد غوانمة" رئيس التنظيم الشيعي الجديد، إننا وباسم الإسلام العظيم ومن قلب فلسطين نعلن عن تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين،. وجاء في البيان، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ركيزة المشروع الإسلامي العالمي علي طريق إقامة خلافة إسلامية راشدة وعاصمتها القدس الشريف .
ولكن سرعان ما تراجعوا عن هذا المجلس بسبب الضجة التي سببها ، علماً أن محمد غوانمة رئيس المجلس المزعوم أكد في لقاء صحفي أنه تبن المذهب الشيعي عام 1979 مع انتصار الثورة الإيرانية وبقي متكتما على هذا الانتماء حتى عام 1995 وانه عمل لمدة أربعة سنوات مرافقا للشقاقي .
ويؤكد أن خطته الحالية هي بناء مسجد شيعي في رام الله، ويعترف بوجود علاقات قوية بين المتشيعين في فلسطين، وبين إيران وشيعة لبنان)[9](.
12 - محمد شحادة ، وأحد قادة حركة الجهاد، وأحد مبعدي مرج الزهور،حيث تأثر هناك بمجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله فتشيع وأعلن تشيعه ، وقد تعهد في مقابلة مجلة المنبر الشيعية المتطرفة بنشر المذهب الشيعي في فلسطين.وقد أصبحت مدينة بيت لحم حيث يسكن محمد شحادة مركزاً للشيعة في فلسطين([10]). ، وله فيها أتباع يعلنون تشيعهم ويعتدون على من يعترض عليهم ، ولذلك رشح شحادة نفسه للانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة سنة 2006 في محافظة بيت لحم، رغم مقاطعة حركة الجهاد الإسلامي للانتخابات.
وقد اعتبر شحادة أنه تعرض لمضايقات من الحركة بعد اعتناقه التشيع، إذ يقول: "أخوض الانتخابات مستقلاً، بعد أن رأيت من كنت معهم لا يستطيعون تحمل وجودي باعتباري شيعياً، وبعد أن تشاورت مع من يدعمني ويؤازرني من شباب الجهاد الإسلامي، والفصائل الأخرى"([11]).
وعن انتقاله إلى التشيع والمرحلة التي سبقت ذلك يقول:
"كنت أحد مقاتلي حركة فتح الفلسطينية منذ كان عمري 16 عاماً، وقد اعتقلت إثر ذلك في العام 1980، وحكم عليّ بالسجن خمسة وعشرين عاماً، ثم أفرج عني في عملية تبادل الأسرى العام 1985، بعدها تكررت عمليات اعتقالي لعدة أعوام بلا محاكمة بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي التي نشطت فيها بعد خروجي من فتح، ومن ثم أبعدتني قوات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان لمدة عام خلال الانتفاضة المجيدة العام 1992...
في تلك الفترة أحسست بمعنى أن تكون مظلوماً، وقد تعمق هذا الشعور عندي والرغبة بالانتصار على الظلمة بعد الثورة الإسلامية في إيران المسلمة، حيث دفعني ذلك إلى القراءة المستفيضة عن الثورة الإسلامية ومرتكزاتها الفكرية التي تنطلق من التشيع لآل البيت النبوي... بقيت القراءات تدور في إطارها النظري إلى أن تم إبعادي إلى مرج الزهور كما أسلفت حيث عايشت الممارسة الحقة للفكر الإسلامي من قبل مجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الذين كانوا يزوروننا في المخيم"([12]). ولعل هذا من أهم النتائج التي حصلت عليها إسرائيل من قضية الإبعاد، وهو نقل التشيع إلى داخل فلسطين مع تسهيل عملية التعارف بين قادة الداخل وقادة حزب الله بطريقة لا تثير الشكوك !!!
الخاتمة : بعد هذه الرحلة الطويلة تتضح لنا الحقائق التالية :
1- أن علاقة حركة الجهاد مع إيران والتشيع علاقة قديم من بداية الثورة واستمرت لليوم.
2- العلاقة بنيت على فهم قاصر للعقيدة والفكر الشيعي ولا يزال هذا القصور في الفهم مستمر .
3- تطورت العلاقة من إعجاب بالجانب الثوري للثورة الخميني إلى تبنى العقيدة الشيعية والفكر الخميني لدى الحركة .
4- تحولت حركة الجهاد إلى أداة من أدوات المشروع الإيراني الشيعي في المنطقة .
5- من مهام حركة الجهاد اليوم نشر ورعاية التشيع في فلسطين .
فهل يربأ الشرفاء من حركة الجهاد عن القيام بهذا الدور القذر ؟
وهل يصحو بعض الأفاضل المخدوعين بمعسول كلام الجهاد وممثلهم في الجزيرة للحقيقة ؟
نرجو ذلك والله المستعان على السراء والضراء ،،،
[1] - انظر الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية ، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية ، تحرير فيصل دراج وجمال باروت ، 2/157 . وانظر أيضا موسوعة الحركات الإسلامية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، د.أحمد الموصللى 225 .
[2] - انظر مقاله : هل الثورة الإيرانية إسلاميه أم مذهبيه قومية ؟ على موقعه الشخصي http://www.grenc.com/a/mTamimi/show_Myarticle.cfm?id=6837 .
[3] - http://assadtamimi.com/first.htm
4ـ في عين العاصفة حوار مع رمضان شلح ـ غسان شربل ، بيسان للنشر والتوزيع ، ص73 ، وسبق نشره في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 7/1/2003 .
[5] - الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية ، فيصل دراج وجمال باروت ص 2/226 .
[6] - الأعمال الكاملة للشقاقي 2/984 .
[7] - في عين العاصفة حوار مع د.شلح ، ص 80 .
[8] - على هذا الرابط تجد ذلك بالصوت والصورة
http://www.haqeeqa.com/viewvideo.aspx?id=6
14 ) ـ صحيفة دنيا الوطن (غزة) 4/3/2006.
11 ) كتاب " المتحولون " ، لهشام قطيط 1/707 .
12 ) ـ صحيفة الغد 26/1/ 2006.
13 ) ـ صحيفة الغد 26/1/ 2006.