المنافقون الجدد بين سوريا وغزة!

بواسطة الخليج اونلاين قراءة 2028
المنافقون الجدد بين سوريا وغزة!
المنافقون الجدد بين سوريا وغزة!

 أنور مالك

23-8-2014

عندما بدأ العدوان على غزة هبّت جهات متعدّدة تتباكى وترثي الضحايا بدموع من مختلف الألوان، والغريب العجيب أن بعض هذه الجهات نفسها تدعّم بشار الأسد في حربه على السوريين، ولا تزال في موقفها لم تتزحزح، رغم الدمار الذي ألحقه بالعباد والبلاد، بل يبرّرون له كل جرائمه في حق الإنسان والإنسانية؛ مرة بمقاومة مزعومة وأخرى بمؤامرة وهمية، ومرات لأسباب طائفية غير معلنة.

المتتبّع لهؤلاء الذين يكيلون بمكيالين في التعامل مع حروب الإبادة التي تشنّ على البشر، يجدهم من الصفويين في إيران، أو من "المتصفونين" في البلاد العربية والإسلامية أو ممن يتّبعون مواقف حكامهم فقط، أو هم من المخدوعين الذين نظرهم لا يتجاوز حوافرهم. وقد بالغ هؤلاء في رثاء ضحايا غزة إلى منتهى الإنسانية، في المقابل يقابلون جرائم بشار الأسد في سوريا إلى منتهى الوحشية، رغم أن ما حدث في كثير من المدن السورية تجاوزت وحشيته بكثير ما يحدث في غزة المحاصرة من حيث عدد الضحايا ونوع الجريمة وأداتها.

إيران والتجارة بقضية فلسطين

إيران التي تراهن على قضية فلسطين لاختراق العالم الإسلامي وتمزيقه بتصدير ثورتها الخمينية، استغلت الفراغ السيئ الذي تركته الأنظمة الحاكمة يتمدّد بين الشعوب العربية التي تحتل فلسطين مكانة عميقة في مخيالها العام، ونجحت بلا شك في إيجاد موطئ قدم لها وتمكّنت بذلك من زرع أذرع عسكرية في المنطقة تفرض أجندتها القومية الفارسية، وكان أبرز ما أنجزته "حزب الله"، وأيضاً حركة "الجهاد الإسلامي"، التي من لم يتشيّع فيها دينياً، فقد والاها سياسياً، أو في الحالتين معاً مثل مؤسسها فتحي الشقاقي الذي لعب دوراً سرّياً في اختراق إيران للتنظيمات المسلحة في الجزائر خلال الحرب الأهلية. النظام السوري الذي سمّته المقاوم والممانع راهنت عليه إيران في حماية هلالها الشيعي الممتدّ من طهران إلى لبنان. كما نجحت في التسويق لنفسها بأنها تدافع عن القضية الفلسطينية وانخدع الكثيرون بها وبيوم القدس وسرايا القدس ثم شعاراتها الطنانة خصوصاً مع حرب تموز 2006، وما تبعها من أحداث، بل تمكّنت حتى من مخادعة تنظيمات فلسطينية، وبينها حركة "حماس" نفسها، التي مرّت في مرحلةٍ ما بعلاقات وطيدة مع خامنئي عبر بوابة دمشق خصوصاً.

المحور الصفوي الذي مثّلته وتزعّمته إيران تحت مسمّيات مختلفة، منها محور الممانعة والمقاومة، لا يزال يستغلّ الملف الفلسطيني أبشع استغلال، مثلما فعل مع شأن التشيّع، وآل البيت رضي الله عنهم، ومع العدوان على غزة سمعنا هذا المحور يندّد ويتوعد الكيان الإسرائيلي، وكثيرون في العالم العربي يصدّقون هذا الوهم، بل يتباهون أن سلاح المقاومة الذي يدكّ تل أبيب من بيت علي خامنئي. وفي المقابل، بل في الوقت نفسه، هذا المحور الصفوي يشنّ حرب إبادة على الشعب السوري، ويقترف أبشع ما يمكن تخيله في سوريا.

لقد وجدت جرائم الصفويين في سوريا ترحيباً من "المتصفونين" العرب ممن تشيّعوا دينياً أو سياسياً أو مادياً، والذين بدورهم يبكون بدموع التماسيح على أطفال غزة ونسائها وعمرانها، وهذا ما يخالف المنطق الإنساني الذي يقتضي التصدّي للظالم مهما كانت ملّته أو سياسته أو جغرافيته، أو الجهة التي يتخندق معها ويكون فيها. فمن يأتي ويسأل المظلوم عن دينه أو عرقه أو هويته حتى ينتصر له فقد خدم الظالمين، لأن نصرة المظلومين لا تمييز فيها بينهم دينياً وعرقياً وطائفياً وعشائرياً.

دموع "حزب الله" لا تشرّف غزة

لا يعقل أبداً أن يجري البكاء على أطفال غزة من طرف "حزب الله"، وهو نفسه يبيد أطفال سوريا في مجازر طائفية لا يمكن تخيّل وحشيتها. لا يعقل أبداً أن يظهر حسن نصر الله وهو يتبجّح بشعارات مندّدة بجرائم الصهاينة في حقّ المدنيين والنساء، وهو يدعم عسكرياً وسياسياً وإعلامياً نظام بشار الأسد الذي بدوره يبيد المدنيين ويقتل الأطفال ويغتصب النساء في سوريا. ولكن ليس غريباً على إيران أن "تناهض" جرائم إسرائيل في فلسطين وهي تقترف أبشعها في سوريا واليمن والبحرين ولبنان، وسبق أن غرقت في مستنقع الدم بالجزائر أيضاً، فهي تصف أمريكا بالشيطان الأكبر ودعّمتها في غزو أفغانستان وتتحالف معها في العراق وحتى سوريا، ولهذه اللحظة لم أجد ما يؤكّد العداء القائم بين طهران وواشنطن وتل أبيب، في حين وجدت الكثير من الأدلّة التي تثبت مدى التحالف غير المعلن بينهم ضد مصالح العالم الإسلامي وكل المسلمين السنّة.

وجهان لجريمة واحدة

ما يحدث في غزة هو جريمة ضد الإنسانية يجب ملاحقة الجناة في كل المحاكم وجعلهم يدفعون الثمن وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية. وما يجري في سوريا أيضاً لا يختلف عن ذلك، ويستحقّ الجناة متابعتهم ومعاقبتهم مثل الصهاينة وبمواد قانونية واحدة. لذلك ليس من اللائق إنسانياً وأخلاقياً أن القاتل في سوريا يبكي القتيل في فلسطين. والعجب أن نظام بشار الأسد نفسه ارتكب المجازر بالسلاح الكيماوي في حقّ الأطفال، وذبح الآلاف في مجازر هي الأبشع في القرن الحديث، وقتل في مجزرة الغوطة مثلاً ما قتل بغزة في شهر تقريباً، بدوره ومن دون أدنى خجل -طبعاً الطغاة لا يخجلون- يندّد بجرائم إسرائيل في غزة، وطالب من قبل تركيا بضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، بل ذهب بعيداً في تقاريره الاستخباراتية المسرّبة عن السعودية، حيث خصّص دائرة تتابع ما يسمّيها مظاهرات في المناطق الشيعية، وجهاز المخابرات يحفّز العملاء في المملكة بضرورة التحريض في هذه المناطق، ويندّد في برقياته السرّية بما يسمّيها سوء معاملة السلطات الأمنية السعودية للمتظاهرين، والأمر نفسه بالنسبة للبحرين وحتى قطر!

إن القضية في سوريا وفلسطين أخلاقية بامتياز، وتتعلّق بقاتل وقتيل، ضحية وجلاد، ظالم ومظلوم، معتدٍ ومُعتدى عليه... ولا يمكن الكيل بمكيالين معهما، لذلك يبلغ النفاق قمّته لما نسمع المجرمين في سوريا يدافعون عن ضحايا في غزة، ولا أعتقد أن ضحايا غزة سيشرفهم دفاع هؤلاء؛ لأن الدم واحد من حيث القيمة الدينية والقومية والوطنية والإنسانية.

عندما أستمع لحسن نصر الله وهو يزبد ويتوعّد الصهاينة لأنهم يقتلون الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه مليشياته الطائفية والعنصرية ترتكب أبشع الجرائم في سوريا، أزداد قرفاً من هؤلاء المنافقين الذين خطرهم على الشعوب العربية والإسلامية أكثر من خطر الصهاينة أنفسهم.

شياطين ببلادهم وملائكة في غزة !

لم يقتصر الأمر على المحور الصفوي وجرائمه في سوريا وغيرها، بل أيضاً الأنظمة العربية التي بينها مَن اقترفت أبشع الحروب القذرة بحق شعوبها، وها هي تبكي بدموع التماسيح على أهل غزة. فالنظام الجزائري كان سبب حرب قذرة أدت إلى مقتل ربع مليون جزائري. ونظام السيسي بدوره اقترف مجازر جماعية هزّت وجدان العالم، ولا يزال يقمع المصريين بكل وحشيّة. والنظام المغربي يحتلّ الشعب الصحراوي الآمن والفقير وينهب ثروات أرضه، وينتهك حقوقه الإنسانية والوطنية والقومية والاقتصادية في وضح النهار. ويوجد غيرهم أيضاً ممن تختلف انتهاكاتهم بحق شعوبهم لا يسعنا المقام لحصرهم؛ فهؤلاء جميعاً لا يمكن أن يكونوا شياطين ببلادهم وملائكة في غزة أو غيرها. فمن قتل أبناء شعبه وشرّدهم لا يصدّقه أحد حتى وإن بكى على غزة بدل الدموع دماء، أو رأيناه في الصفوف الأولى يقاتل لتحرير بيت المقدس.

لا يشرّف غزة أن يدافع عنها القتلة في سوريا ولبنان واليمن ومصر وغيرهم، ولا يشرّف المقاومة أبداً، ويسيء لها كثيراً، إن وضعت يدها في أياد ملطّخة بدماء الأبرياء في سوريا، لأن المقاومة شرف رفيع يمتاز به الشرفاء، ودون ذلك فهو ذهاب من المجهول مظلم إلى مجهول أظلم.

قمّة النفاق المتجدّد

غزة وسوريا لا تحتاجان لمنافقين يدافعون عنهما، ولا هم سينجحون في دفاعهم هذا، بل سيزيدون المجاهدين والمقاومين خبالاً، ويزرعون بينهم الفتنة، فطبعهم الإجرام ولا يعقل أن المجرم سيدفع مجرماً آخر إلى الإقلاع عن جرائمه أو سيفلح في معاقبته؛ لأن العقاب سيطال الجميع حتماً إن نجحت العدالة في فرض نفسها على المجتمع الدولي.

للأسف الشديد طالعت كتابات صحفيين وإعلاميين وناشطين في دول عربية يدافعون عن بشار وجرائمه، ويبرّرون ذلك بوهم المؤامرة التي عشعشت في عقولهم، وعندما اندلع العدوان على غزة راحوا يبكونها في مقالاتهم وتصريحاتهم، وبينهم من يبرّر ذلك بحجة أن قضية العرب والمسلمين الأولى والوحيدة هي فلسطين، والأولوية في الدفاع عنها، وكأنه يجب أن تموت الشعوب الأخرى وتحرق حتى تتحرّر فلسطين.

صدق الفلسطينيون لما صرخوا يوماً في وجه بشار بأن تحرير بلادهم إن كان سيمرّ على جثث السوريين فهم لا يريدون هذه الحرية، ولا يتطلّعون إليها مهما كان الأمر. فلا يقبل عقلاً ولا نقلاً ولا منطقاً أن الذي يبيد المواطنين في بلده يقف مع غيرهم في بلدان أخرى لوجه الله ولأسباب إنسانية خالصة.

المنافقون الجدد يميّزون بين الضحايا لأسباب مختلفة، فهم مع الطاغية في الشام، ومع الضحية في غزة، أو مع نتنياهو وضد بشار، وفي الحقيقة أن هؤلاء دفعتهم مصالح أخرى غير الانتصار للضحايا، ولو تنقلب الحسابات مستقبلاً، سيبدّلون مواقفهم بلا أدنى خجل. وهذا ديدن المنافقين عبر كل العصور والأزمنة، فأمزجتهم متقلّبة حسب المنفعة الذاتية فقط.

من يقف مع قاتل في سوريا، ويزعم وقوفه مع ضحية في غزة، عليه أن يتحسّس في ذاته خصلات النفاق، لأنه يكذب على نفسه وعلى الآخرين، وقد يؤدي به الأمر إلى انفصام في الشخصية؛ لأنه جمع في قلبه بين نقيضين لا يمكن أن يجمع بينها إنسان شريف أو عاقل أو من له مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية.

في الأخير، الضحية في سوريا وغزة هو واحد، والجلاد واحد أيضاً مهما اختلفت المسمّيات، حتى وإن ادعى جلاد سوريا أنه يقاوم غزاة فلسطين، أو زعموا هم أنهم يكرهونه، فحتى وإن لم تجمع بينهما معاهدات معلنة فقد حولهم واقع الجريمة ضد الإنسانية إلى توءم يلتصق بعضهما ببعض، وكل من يريد أن يفصل بينهما لأي سبب فقد بلغ قمّة النفاق وصار من المنافقين الجدد لهذا القرن الموبوء بجرائم الإنسان ضد الإنسانية.

المصدر: الخليج اون لاين



مقالات ذات صلة