مركز "إسرائيلي" يرصد مستقبل العراق بعد السيستاني
السبت 29 من ربيع الأول1429هـ 5-4-2008م
صراعات داخل البيت الشيعي واستعداد لما بعد الانسحاب الأمريكي
لمن ستكون الغلبة على شيعة العراق لمقتدي الصدر أم لمحمد رضا السيستاني
الصدر يستكمل دراسته في إيران سعيًا للحصول على لقب آية الله، ونجل السيستاني على درب والده يؤمن بفصل الدين عن الدولة
إيران تجهز الصدر وتسلح جيش المهدي كما فعلت مع حزب الله
عناصر الحرس الثوري الإيراني تتولي التدريب والدعم والتجهيز
إعداد وترجمة: أحمد الغريب
مفكرة الإسلام: تحتل قضية العراق والصراعات الطائفية فيه مساحة واسعة من الاهتمام الإسرائيلي, خاصة وأن مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية تولي أهمية كبرى لاستمرار الخلافات الداخلية والعرقية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط, بل أن مؤتمر مركز هرتزاليا الإسرائيلي متعدد المجالات لعام 2008 , الخاص ببحث القضايا المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي" والذي عقد في يناير الماضي، كان قد وضع نصب عينيه تعميق هذه الخلافات, وخصص يومًا كاملاً لبحث الخلاف الشيعي – السني وجذوره وتداعياته الإستراتيجية على إسرائيل, كما راهنت على ما يمكن أن يحدثه اغتيال القائد العسكري لحزب الله "عماد مغنية" من تمزق سني – شيعي, وراحت المراكز البحثية الإسرائيلية تبحث عن كل صغيرة وكبيرة, يمكن من خلالها تعميق هذه الخلافات, الأكثر من ذلك أن الاهتمام الإسرائيلي وصل إلى البحث داخل الخلافات في البيت الواحد والطائفة الواحدة, بهدف إحداث ما يمكن إحداثه من انقسام.
وفي هذا الشأن تناول مركز أوميديا البحثي الإسرائيلي المتخصص في الدراسات الإستراتيجية , وفي دراسة أعدها "ميكي سيجال" الباحث المعروف والمتخصص في الشئون الإيرانية والعراقية, قضية الصراع بين القيادات الشيعية في العراق والمنافسة الشديدة بين عائلة آية الله العظمي السيستاني وعائلة الصدر، وتداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط.
هل سيستمر وقف إطلاق النار في العراق :
وتطرق الباحث الإسرائيلي في الجزء الأول من دراسته إلى التوتر الحالي داخل الطائفة الشيعية في العراق, على خلفية التوترات التي حدثت ما بين مقتدى الصدر والجيش العراقي مؤخرًا، وقيام "ناصر الربيعي" رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي بتوجيه الاتهام لعبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في العراق, خصم مقتدى الصدر ومنافسه على تولي قيادة الطائفة الشيعية في العراق, بأنه لم يلتزم بتعهداته لإقامة مجالس مشتركة في سائر المحافظات العراقية, والتوقف عن مطاردة عناصر جيش المهدي الذي يترأسه مقتدى الصدر.
وذكر "سيجال" أن أوجه التوتر والخلاف بين الصدر والحكيم متعددة, وتجلت في وقوع حوادث متعددة في كربلاء ومحافظة الديوانية جنوب العراق بين أنصار جيش المهدي وبين عناصر الشرطة العراقية والتي انضم لها العديد من أفراد وعناصر منظمة بدر الشيعية الجناح العسكري للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق .
وقال الباحث الإسرائيلي: إن الجميع ينتظر كلمة الزعيم الشيعي العراقي "مقتدى الصدر" وإعلانه إذا ما كان سيمدد اتفاق وقف إطلاق النار الذي ظل محافظًا عليه طيلة الستة أشهر الماضية, وهو ما أدي إلي هدوء نسبي في العراق وانخفاض في مستوى العنف, مشيرًا إلى أن رئيس منظمة بدر هادي الأميري, قال: إن منظمة بدر ستظل محافظة على وقف إطلاق النار طالما ظل الصدر والحكيم محافظين على هذا الاتفاق, فيما أكد قائد الوحدة الأمريكية المسئولة عن تأمين مدينة الصدر التي يعتبرها مقتدى الصدر مصدر قوته, أنه وفي حالة عدم استئناف اتفاق قرار وقف إطلاق النار، فمن المتوقع أن ينهار كل ما حدث من تقدم في العراق, وقال متحدث باسم الجيش الأمريكي: إن ما لا يقل عن 178 شخصًا قتلوا في فبراير 2008, مقابل مقتل نحو 1087 في الشهر ذاته من العام الماضي.
وكشف الباحث الإسرائيلي عن قيام الجيش الأمريكي بمحاولات لدفع الصدر من أجل مد العمل بقرار وقف إطلاق النار, في الوقت الذي تستمر فيه النشاطات العسكرية ضد العناصر الخارجة داخل جيش المهدي, حيث اتهمت جهات أمريكية بتوجيه الاتهام لتلك العناصر والتي وصفتها بالموالية لإيران بأنها تقف من وراء استهداف العديد من الأهداف العراقية والأمريكية, وقال "سيجال" إن مقتدى الصدر ذاته كان من أكثر المستفيدين من وقف إطلاق النار , خاصة وأنه قام باتخاذ العديد من الإجراءات لاستتباب النظام داخل جيش المهدي وملاحقة العناصر المتطرفة فيه.
واعتبر الباحث الإسرائيلي أن لقرار الصدر استئناف وقف إطلاق النار من عدمه، أهمية كبرى على الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق, مؤكدًا أن الصدر يعلم حقيقة هذا الأمر , ولهذا فإنه معني هو الآخر باستغلال هذا الوقف لتحقيق مكاسب سياسية, خاصة أنها تجعله مقصدًا لكافة القوى المختلفة في العراق وخارجه, وقال: إن الأمر المقلق هو قيام عناصر إيرانية خاصة من بين أفراد جيش القدس وهي القوة التي تنتمي للحرس الثوري الإيراني في العراق, بمحاولات لدفع الصدر على تشديد مواقفه؛ لأن تلك العناصر ليس لديها الرغبة في استتباب الهدوء مع الولايات المتحدة الأمريكية, وهو الأمر الذي جرى تنفيذه على أرض الواقع عبر استئناف عمليات زرع الألغام الأرضية من قبل عناصر شيعية في العراق ضد القوات الأمريكية.
وقال الكاتب الإسرائيلي: إنه طبقًا للعقيدة الشيعية فإن الحسين ابن علي أو الإمام الثالث قُتل في كربلاء في اليوم العشرين لشهر صفر , ويقوم الشيعة في أنحاء العالم بالاحتفال بذكرى مقتله, ويفضلون الذهاب إلى كربلاء , مشيرًا إلى أن الصدر يعرف ذلك جيدًا ولهذا فإن من مصلحته تمديد اتفاق وقف إطلاق النار , خاصة وأن الكثير من الشيعية في العراق ومن خارجه يتجهون نحو كربلاء ولا يريد أن يحدث لهم مكروه، ولهذا فإنه سيحافظ على الاتفاق على الأقل حتى انتهاء الاحتفالات الشيعية.
العراق في اليوم التالي لغياب آية الله السيستاني !
تحدث الكاتب في الجزء الثاني من دراسته عن المخاوف التي تراود البعض من تنامي الصراع داخل البيت الشيعي في العراق في أعقاب الرحيل المرتقب لآية الله العظمي السيستاني, أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق , مشيرًا إلى التقارير الواردة من العراق تتحدث عن أن السيستاني حليف الأمريكان وأحد أكثر من قدم لهم المساعدات من أجل تهدئة الداخل العراقي منذ عام 2003 , قلل مؤخرًا من نشاطاته وتدخله فيما يحدث في العراق.
وقال على تلك الخلفية ترددت شائعات وتوقعات كثيرة عن أن السيستاني مريض ولا يقدر على استكمال مهامه, كما ترددت شائعات كثيرة عن الشخص القادر على شغل هذا المنصب من بعد السيستاني, مشيرًا إلى أن نجله "محمد رضا" يقوم الآن ببعض المهام ومنها اتخاذ بعض القرارات .
وتابع تقريره بالقول"إن غياب السيستاني له تداعيات كثيرة سواء على الساحة العراق أو خارجها, ومن شأنها أن تعرض ما حققته أمريكا في العراق لضرر بالغ خاصة فيما يتعلق بالهدوء الأمني الذي شهده العراق, وكذلك ستضر ضررًا بالغًا على وفود الشيعة للعراق للاحتفال بذكرى الأربعين لمقتل الحسين, وحذر الكاتب من تأثير ذلك على محاربة تنظيم القاعدة، وكذلك فيما يتعلق باستقرار الأوضاع النفطية للعراق ومحاولات إرجاع مستوى صادرات النفط العراقي إلى ما كانت عليه قبل الحرب على العراق.
كما تحدث "سيجال" عن الآثار المترتبة على غياب السيستاني عن الساحة العراقية, مشيرًا إلى أنها ستضر بجهود الأمريكان لتهدئة الساحة السياسية في العراق ودعم حكومة نوري المالكي والذي ثارت من حوله الشائعات في العديد من المواقع السنية على شبكة الإنترنت, بأنه كان متورطًا في تنفيذ عمليات إرهابية داخل العراق في الثمانينات بناء على أوامر من الولايات المتحدة وإيران .
وقال: إن المالكي امتنع لفترة طويلة عن التدخل من أجل تهدئة الأوضاع السياسية في العراق، وتضارب موقفه مع الموقف الإيراني الذي يرى أنه من الأفضل قيام رجال الدين بإدارة الشئون السياسة, وأشار إلى أن السيستاني كان مسيطرًا على مقاليد الأمور حتى لو كان ذلك من وراء الستار وعبر عناصر موالية له, خاصة وأنه يحظى بقبول كافة الفصائل الشيعية في العراق, الأمر الذي يعد نذير خطر في حال غيابه عن الساحة, مشيرًا إلى أن هذا الغياب يعني تمزق شيعي داخلي في العراق وصراع بين الفصائل المختلفة, وهو ما قد يؤثر مستقبلاً على نسبة القوى في العراق، باعتبار أن الشيعة يلعبون دورًا هامًا في إحداث توازن داخل العراق, كذلك سيؤثر على مستقبل العلاقة بين الجهات الشيعية المتطرفة وعلى رأسها جيش المهدي وبين الولايات المتحدة الأمريكية والوساطة بين الطرفين لتهدئة الأوضاع، وكذلك سيؤثر كثيرًا على علاقة تلك الفصائل بعضها ببعض.
بوادر الصدام بين الصدر ونجل السيستاني
وفي الجزء الثالث من الدراسة تحدث "ميكي سيجال" عن بوادر الصدام الأولية بين زعيم جيش المهدي مقتدى الصدر ونجل السيستاني محمد رضا, قائلاً: إن مكانة السيستاني الكبرى في العراق, أدت إلى تفاقم أزمة الوريث الذي سيعقبه في الإمساك بزمام الأمور داخل البيت الشيعي العراقي, وهناك أسماء عدة تطرح لشغل هذا المنصب ومنها "آية الله محمد سعيد الحكيم" و"آية الله محمد بشير النجفي" و"آية الله محمد إسحاق الفياض" و"آية الله محمد يعقوبي" وعلى الرغم من اعتبار هؤلاء مرجعيات دينية كبرى لها صلاحيات, لكنهم لا يحظون بدعم وتأييد الجمهور في العراق, كما أنهم لا يرتبطون بالأحداث السياسية في العراق.
وقال "سيجال": إن عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على شغل مكانة السيستاني من شأنه أن يخدم مصلحة إيران وأتباعها في الساحة الداخلية العراقية, وتوقع الباحث الإسرائيلي أن تقوم إيران بدور كبير وبدون شك في اختيار الشخص الذي سيخلف السيستاني, وقال: إنه لا يخفى على أحد دور إيران في دعم وتمويل وتدريب عناصر جيش المهدي وقيامها عبر عناصر حزب الله بتزويد جيش المهدي وجهات شيعية أخرى بأسلحة خفيفة وألغام أرضية, لإعداده من أجل يوم الحسم ولعب دور بارز في اليوم التالي لخروج القوات الأمريكية من العراق, وقال: إن طهران تلعب نفس الدور الذي تلعبه في جنوب لبنان حيث تقوم بدعم مقتدى الصدر وجيش المهدي كما تدعم حسن نصر الله وحزب الله في لبنان, بل إنه بات واضحًا أنها تريد أن يحاكي جيش المهدي حزب الله وأن يصبح مثله تمامًا.
واعتبر الكاتب الإسرائيلي أن غياب السيستاني عن الساحة العراقية, من شأنه أن يزيح من على إيران تهديدًا رئيسًا لعبه هو و"آية الله العظمي منتظري" الذي رفض كل ما قام به الخوميني من تغييرات في المذهب الشيعي خاصة فيما يتعلق بسلطة رجال الدين، أو ما يعرف بمنهج "ولاية الفقيه" , كما يعد نجل السيستاني "محمد رضا" أحد هؤلاء المعارضين لإيران .
وقال "سيجال": إن الفترة الأخيرة تشهد قيام عناصر القوى الشيعية في العراق بمحاولات لبناء قاعدة يمكنهم الارتكاز عليها, خاصة فيما يتعلق بمحاولات الاعتماد على صلاحيات دينية في العراق, وأشار إلى أن مقتدى الصدر زعيم جيش المهدي تردد على إيران عدة مرات مؤخرًا, فهو يحاول استكمال دراسته الدينية سعيًا وراء لقب آية الله, وكذلك فإنه دعم من قواته الداخلية في العراق وبات له أكثر من 30 نائبًا في مجلس النواب العراقي يؤيدونه, خاصة وأنه زوج ابنة آية الله العظمي محمد باقر الصدر الذي قتل على يد النظام العراقي السابق.
فيما يحاول "محمد رضا السيستاني" استكمال دراسته الدينية في مسجد الهندي بمدينة النجف العراقية, كما أن لديه من العلم الكثير ، خاصة وأنه رافق والده كثيرًا, ولهذا فإن له القدرة على جمع الأموال من الشيعة في لبنان والخليج، وكذلك من الحجاج الشيعة الذين يترددون على النجف في العراق .
وقال "سيجال": إنه وبعد تحسن الأوضاع الأمنية في العراق قامت إيران بتقليل الدعم المالي الذي تقدمه للسيستاني وللشيعة, مشيرًا إلى أن أكثر من تضرروا بذلك هم الطلاب الذين يدرسون في إيران.
وتابع الكاتب الإسرائيلي تقريره بالقول": إن صراع "الصغار" "مقتدى الصدر" و"محمد رضا" سيشتد ويقوى خاصة أن "رضا" يؤمن بما يؤمن به والده من فصل للدين عن الدولة, أما الصدر الذي تربى في مدينة قم ونشأ على مبادئ وإيديولوجيات إيرانية – خومينية – التي تؤمن بدور رجال الدين الكبير في السيطرة على السلطة, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يقدر الصدر على تبوء مكانة السيستاني مستخدمًا ما لديه من صلاحيات دينية وسياسية؟
وقال: إن الخصومة بين عائلتي الصدر والسيستاني الضاربة في أعماق الطائفة الشيعية بالعراق, تجلت وبوضوح في مقتل "آية الله العظمي محمد صادق الصدر" من قبل صدام حسين, فيما ظل "آية الله السيستاني" على قد الحياة ولم يمسسه سوء بسب اشتغال "الصدر" بالسياسة والدين, فيما ظل الثاني مهتمًا بأمور الدين فقط, وهو النهج الذي استمر عليه أتباع الصدر والسيستاني حتى بعد رحيل صدام, ومن المتوقع أن تحدد كذلك مستقبل العراق واختياره المدرسة الإيرانية المحافظة وبين النهج الشيعي الذي يدعو لإدارة الدولة بأسلوب براجماتي غير متطرف.