يتفق الجميع اليوم على تفاقم الخطر الإيراني والشيعي، وذلك بعد أن سقطت الكثير من الأقنعة التى كانت تختبىء خلفها إيران والقوى الشيعية، كشعارات الممانعة والمقاومة ونصرة المستضعفين ومحاربة الإمبريالية، لكن موقف إيران ومراجع الشيعة والميلشيات الشيعية في العراق ولبنان واليمن والمتشعين العرب مع المجرم بشار الأسد كان "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لأن مشاهد القتل المتواصل والتدمير البشع والاغتصاب المروع والتهجير الواسع للشعب السوري كان أقوى بآلاف المرات من سيل الأكاذيب التي اعتادت عليها إيران وسوريا لتجميل صورتها.
فقد تمكنت سوريا وحزب الله وإيران بسيل من الأكاذيب من التغطية على تخاذلها في نصرة غزة عام 2008، أو عدم الرد على عدوان إسرائيل بانتهاك المجال الجوي أو تدمير مواقع سورية، أو الإبادة الطائفية بحق السنة في العراق من العراقيين والفلسطينيين، أو مساندتهم للاحتلال الأمريكي في احتلال العراق وأفغانستان، وقائمة الخيانات والتلاعبات الإيرانية تطول.
لكن جريمتهم ضد الثورة السورية أسقطت كل الأقنعة وأوقفت الجميع أمام الحقيقة العارية بخيانة الشيعة وإيران ووكلائها وأذنابها، ومن هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت طيلة عمر نظام الملالي مؤيدة لها وداعية للتعاون معها، وبرغم خيانة إيران للإخوان في أحداث حماة، إلا أن غالب جماعات الإخوان بقيت على علاقة جيدة بإيران وسوريا بخلاف غالب إخوان سوريا الذين قاطعوا إيران.
واليوم نشهد علاقات متوترة بين الإخوان وإيران والشيعة وخاصة على مستوى القواعد وفي كثير من البلاد، ففي إيران نفسها تتعرض جماعة الإخوان الإيرانية لضغوط شديدة من النظام ! وفي سوريا تتعرض الجماعة للحرب والقتل مع الشعب السوري، وها هي أبواق إيران وسوريا تهاجم حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل وتتهمهما بالعمالة لعدم تأييدهم لبشار بقتل الشعب السوري، وفي مصر تتعالى صيحات الشيعة ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ولعل من أبرز هذه الأصوات صوت كمال الهلباوي الإخوانى السابق والثابت على الهوى الإيراني! وفي الكويت تحرض القوى الشيعية السلطة على الإخوان والسلفيين، وفي اليمن يتهم الحوثيون الساعون لفرض دولة شيعية الإخوان وحزب الإصلاح بالعمالة لأمريكا، وفي العراق تم تهميش جماعة الإخوان والحزب الإسلامي وأصبح قادتهما في حالة خوف من الاعتقال في أي لحظة بعد مطاردة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي رئيس حزب الإخوان السابق.
ومع كل هذه الاتهامات الشيعية للإخوان إلا أن إيران فتحت قناة حوار خلفية مع الإخوان بخصوص الثورة السورية، تتخلى فيها عن دعم بشار مقابل ضمان علاقات ونفوذ في سوريا القادمة، وهذا السلوك يدل على انتهازية مفضوحة ومحاولة للضغط على الإخوان للقبول بصفقة مع إيران تضمن مصالحها، وإلا تعرضتم لحملة تشويه إعلامية من منابر إيران والشيعة، تتزامن مع حملات التشويه والكذب الإعلامي التي تقوم بها العديد من الأدوات التابعة للدولة العميقة في مصر والنظام العربي والعلمانيين واليساريين.
ما تراهن عليه إيران هو النجاح في ابتزاز جماعة الإخوان المسلمين والتي تتعرض لضغوط شديدة من عدة جهات، فمثلا في مصر غالب القوى العلمانية واليسارية والفلول تعارض وترفض أن يأخذ الإخوان فرصتهم في الحكم، وفي الخليج خاصة في الإمارات يتم اتهام الإخوان بالعمل على قلب النظام، وفي الأردن علاقتهم متوترة مع الدولة، كما أن الإخوان يواجهون معارضة من الخارج وخاصة اللوبي الإسرائيلي في الكونجرس الأمريكي، فتعمل إيران على التلويح بورقة التحالف معها، وبذلك يحصل الإخوان على حليف لديه قدرة مالية – لكنها بدأت تتزعزع- وله نفوذ في المنطقة سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
رؤية جماعة الإخوان والمقربين منها تقوم على فكرة ضرورة قيام محور يضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، وهو ما طرحه الرئيس محمد مرسي، لكن عيب هذه الرؤية الإخوانية أنها تقوم على العاطفة أكثر من العلم والمعرفة.
فمعروف أن جماعة الإخوان تميل لأنصاف الحلول والمنهج التوفيقي، والذي لا ينجح في حل كثير من المشاكل، ومنها المأزق الذي يواجهونه اليوم مع الإجرام الطائفي الشيعي ضد الثورة السورية.
تفترض رؤية الإخوان لهذا المحور على أن هناك مصلحة إسلامية أممية إستراتيجية عليا تقاطع فيها هذه الدول، وأن الخلاف والصراع مع إيران هو صراع وخلاف فرعي وسياسي، وهذه بؤرة الخلل الأولى في رؤية الإخوان لحقيقة المصالح الإيرانية والشيعية، فليست المصالح الإسلامية هي من يتحكم بالسياسة الإيرانية أو الشيعية بل المصالح الشيعية والمصالح الإيرانية والمصالح الفارسية، وهذا ما يفسر كثيرا من المواقف المريبة التي قامت بها تلك السياسة.
ولتقريب الفكرة لجماعة الإخوان قيادة وقاعدة، فأشد الناس عداوة للإخوان هم بعض المنشقين عليها، والذين لا يتمكنون من إثبات نفسه إلا بعداوة وإيذاء الإخوان، فكذلك الشيعة الذين انشقوا عن الأمة الإسلامية، ولا يتمكنون من إثبات أنفسهم إلا بعداوة وإيذاء الأمة الإسلامية.
أما بؤرة الخلل الثانية في رؤية الإخوان المسلمين لإيران والشيعة فهي اعتبارهم الخلاف والصراع الإيراني الأمريكي/الإسرائيلي، صراعا عقائديا/استراتيجيا، والحقيقة أنه صراع سياسي تكتيكي على حجم النفوذ ومقدار الحصص، وهو ما برهنه الكاتب الإيراني/ الأمريكي تيرتا بارسا في كتابه "حلف المصالح المشتركة".
فالإخوان لابد أن يدركوا أن العداء الإيراني الشيعي للمسلمين (السنة) هو الصراع والعداء الإستراتيجي، ولذلك كانت كل حروبهم مع المسلمين عبر تاريخهم الأسود وقتلوا فيها ملايين المسلمين!!
وأنه عبر تاريخهم الخياني فقد كانوا دوماً حلفاء أعداء الأمة، وأن الصراع بينهم كان صراعاً فرعياً يتم تجاوزه بصفقة تتقاسم المكاسب من حقوق المسلمين.
فهل يتعلم الإخوان المسلمون حقيقة الشيعة وإيران، فلا يتورطوا في صفقة تعد كقبلة الحياة للمشروع الصفوي المعاصر، ويتجنبوا أن تلعنهم الأجيال على تفريطهم بحق الإسلام والمسلمين.
موقع الراصد