من خُميني إلى خامنئي... الثـَورة تـصدر من جَديد!! (الجزء الثاني)

بواسطة أحمد عبد الله العراقي قراءة 1933

من خُميني إلى خامنئي... الثـَورة تـصدر من جَديد!! (الجزء الثاني)

 

بقلم/ أحمد عبد الله العراقي

 

ستبقى سفينةُ الحق جاهزة في كل زمان ومكان؛ لتمخر عباب كل البحار، ولتبسط خيرها لكل داعيةٍ صادقٍ مجاهدٍ يريد الخلاص من شراك تصدير ثورةٍ فارسيةٍ تهدف إلى تفريسِ بلادنا عبر إستراتيجية النفس الطويل، لينتظم مع صفوف الدعاة إلى الله وهو يرتل آيات الحق، فاضحًا تلك الخطط، وكاشفًا ذلك الأمر، فعندها تأبى عبرات القضية ودموع النصر إلا المشاركة في كرنفال الفرح لخلود شمس الحقيقة.

نعم ستبقى سفينة الحق فاضحةً لكل محاولات التفريس الذي بدأه "الخميني" عندما قَََََـوي نظامه واشتدت شوكته، وبدأ يُرَوّج لفكرة تصدير الثورة إلى خارج إيران(عبر تقديم المساعدات والدعم المادي لقوة راديكالية معارضة للنُظم القائمة في العالم الإسلامي لإنشاء حكومات على النمط الإيراني).

فسخّر لذلك جزءًا كبيرًا من مؤسسات الدولة الإعلامية، وأنشأ العديد من مؤسسات التبليغ الإسلامي (ولعل مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي في العراق من أبرز تلك المؤسسات) ولم ينته بذلك, بل وصل الأمر إلى إرسال أشخاص مبلغين ومبشرين بالثورة إلى خارج إيران، وتحت مختلف العناوين الدراسية والتجارية والسياحية، وحتى الدبلوماسية, كما أن فكرة تصدير الثورة ما قامت إلا على أساس ترسيخ الروح المذهبية لأبناء الطائفة الشيعية من خلال طرح منظومتهم والتركيز عليها, كما أن تصدير ثورتهم قام على عدة معطيات ومراحل وهي:-

1- كسب التعاطف السياسي: وهو الأساس الدولي في تصدير الثورة، ويتم ذلك من خلال كسب تعاطف الدول المراد تصدير الثورة إليها سواء على المستوى الدبلوماسي أو التجاري أو الإغاثي.

2- كسب التعاطف العقائدي: ويأتي ذلك بعد نجاح مرحلة التعاطف السياسي، ويتم كسب التعاطف العقائدي من خلال الاستفادة من نغمة الوحدة الإسلامية والتركيز عليها، وإثارة المظلومية وترويجها لتكون عامل توحيد لأبناء الطائفة الشيعية.

3- التحول العقائدي: وتأتي هذه النقطة كنتيجة حتمية للنقطتين الأولى والثانية، فعندما يتم كسب التعاطف السياسي للدولة المراد تصدير الثورة إليها، ومن ثم تعبئة الجماهير عقائديًا باتجاه الهدف المرسوم، عندها يأتي التحول العقائدي للناس كواقع حال، كما حدث ذلك في سوريا ولبنان والبحرين والعراق.

إن هدف المشروع الفارسي الذي ينتج من خلال تصدير الثورة هو السيطرة على العالميْن العربي والإسلامي، مبتدئًا من إخضاع (العراق والشام) للفكر الثوري في إيران، حيث يتم ذلك باجتياحها ديموغرافيًا ومذهبيًا وتبشيريًا وسياسيًا وأمنيًا، ومن ثم استيطانيًا.

ومنذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م، حاول نظام الحكم في إيران تصدير الثورة عبر تحقيق محورين استراتيجيين أساسيين هما:-

 1 ـ بناء أنموذج للدولة الثورية من خلال الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي للدولة المتطورة من وجهة نظر أيديولوجية الثورة؛ بما يجذب تأييد الشعوب إليها، وجعل الشعوب تحذو حذوها.

2 ـ رسم مسار الثورة والنظام الثوري ليكتسب عوامل قوى على الأرض مساندة لفكرته.

وقد اعتبرت إيران أن تصدير الثورة ومساندة الحركات المعارضة الراديكالية (خاصة ذات التوجّه الإسلامي، وبالذات الشيعي منه) في الدول المجاورة، هو كسبٌ حقيقي للتصدير، مستغلة البريق الأيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى.

ومنذ بداية انتصار الثورة، اعتبر "الخميني" وأعوانه أن عملية تصدير الثورة هي أحد سُبُل حمايتها من الداخل؛ لذلك تعهّد "الخميني" بتصدير الثورة إلى كل أصقاع العالم، بل واعتبر ذلك واجبًا شرعيًا حتى تتشكل حكومة إسلامية عالمية تحت زعامة المهدي الإمام الغائب الثاني عشر عند الشيعة, ولم يتوان مجلس الدفاع الأعلى الإيراني في الدعوة إلى ثورة إسلامية عالمية تُشكل الأرضية الجيدة لحكومة "المهدي"، ويكون قوامها الحركات الشيعية المعارضة في العراق والسعودية والبحرين ولبنان والخليج.

وعلى الرغم من إعلان إيران في عدة مناسبات أنها لن تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى؛ إلا أن هناك منظمات ثورية إسلامية رسمية أو شبه رسمية أو حتى غير رسمية تزاول اتصالات مع تنظيمات إسلامية معارضة؛ ما سبّب في مراحل عدة توترًا في العلاقات مع هذه الدول, وقد استضافت إيران حركات سياسية ودينية معارضة، سعودية وعراقية وبحرينية، ولعل من أبرزها هي الحركات العراقية الشيعية التي وصلت إلى سدة الحكم بعد الاحتلال، فنظمت المؤتمرات السنوية لها، وسخّرت أجهزة الإعلام، واستغلت دور رجال الدين الشيعة في المنطقة، بما يمنحها أوراقًا إضافية في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى.

إن قضية تصدير الثورة ومحاولات إقامة الهلال الشيعي على الخارطة الجيوسياسية، دفع "الملك عبد الله" إلى إعلان التخوف من الهلال الشيعي الممتد من بغداد إلى غزة وهو نفس المنطق الذي تحدّث به الأمير "سعود الفيصل" من داخل البيت الأبيض، بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع, وليس بعيدًا عن هذا التصور ما جاء في حديث الرئيس "مبارك" لقناة العربية الفضائية, ولكن كل هذه التصريحات هي تصريحات سياسية بعيدة عن أي واقع عملي.

إن خلاصة فكرة تصدير الثورة هي قائمة على استغلال الأقليات الشيعية في الدول العربية، ومحاولة نشر الفكر الشيعي عبر أشخاص داخل الأنظمة العربية، حتى تحينُ اللحظة المناسبة التي يستولي بها هؤلاء الأشخاص على السلطة؛ ليُعلنوا نظامًا مستنسخًا من النظام الشيعي في إيران.

وسائل تصدير الثورة

أولاً:- المجال الإعلامي:

أ- الاهتمام بنشر الكتب التي تدعو للفكر الثوري الإيراني وتشويه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد كان للنظام الإيراني في هذا المجال نشاطٌ بارز، فقد طبعوا الملايين من الكتب، وبلغات العالم المختلفة، واليك عزيزي القارئ بعض الأمثلة التي وردت في كتاب الثورة الإيرانية(ص338).

 أنشأوا خمسة دور نشر كبيرة في كل من "برمنجهام"، و"دستيرويت"، و"جاكارتا" و"سنغافورة"، و"الإمارات".

 تُصدر وزارة الإرشاد الإيرانية كمياتٍ كبيرة من الكتب في مختلف الموضوعات السياسية والدينية، وتقوم بتوزيعها عن طريق السفارات والقنصليات وبمختلف اللغات الحيّة.

قاموا بطبع كتاب المراجعات الذي يتضمن محاورة مزيفة بين أحد علمائهم وشيخ الأزهر (البشري)، وطُبع هذا الكتاب بثلاثين لغة من اللغات الحية، وبكميات لا تقل عن نصف مليون نسخة من كل لغة.

يقومون بإرسال كتبهم ومنشوراتهم إلى الجمعيات والهيئات والمنظمات الإسلامية والمساجد ويأخذون أسماء العلماء والدعاة، ويرسلون لهم الكتب وبمختلف اللغات.

 ب- الاهتمام بتصدير المجلات والجرائد والنشرات، وبتوزيع نشط وكما يلي:-

 يصدرون في لندن (40) مجلة، من بينها (12) مجلة باللغة العربية، كما يصدرون كميات كبيرة من جريدة (كيهان الدولية) باللغة العربية، ويسيطرون كذلك على مجلة العالم السياسية.

يصدرون في "ديزويت" ثلاث مجلات باللغة العربية، إضافة إلى مجلات بالإنجليزية، وفي باريس مجلة عربية وأخرى فرنسية، وفي إندونيسيا مجلة شهرية وأخرى نصف شهرية باللغة الإندونيسية.

تمكنوا من السيطرة على عددٍ من المجلات الإسلامية، وذلك بالمعونات المادية في كل من الهند وباكستان والعراق، ولاسيما بعد الاحتلال الأمريكي، حيث نشطت المجلات الإسلامية الشيعية، وبدعمٍ مباشرٍ من إيران، ولاسيما في مناطق وسط وجنوب العراق.

ثانيًا:- المساجد والمراكز الإسلامية:

تعتبر المساجد والمراكز الإسلامية إحدى أهم وسائل تصدير فكر الثورة الإيرانية، إذ لم يكن لإيران قبل الثورة إلا عددٌ قليلٌ من المساجد والمراكز التي يتواجدون فيها، ولكن بعد نجاح الثورة الإيرانية؛ استطاعوا الاستيلاء على المساجد والمراكز الإسلامية، وكما هو الحال في العراق بعد الاحتلال مباشرة، إذ استولوا على الكثير من مساجد أهل السنّة في مناطقهم، واستخدامها كأداة لنشر التشيع الفارسي، وأن قضية الاستيلاء على المساجد في العراق بعد سقوط بغداد ليست وليدة اليوم، وإنما هي فكرة متجذرة في القِدَم، والعراق ليس أول بلد يُستولى على مساجد أهل السُنة فيه، بل قاموا بتلك الأعمال في كثير من البلدان، وسنورد بعض الأمثلة التي يوردها صاحب كتاب الثورة الإيرانية، والتي تدل على ذلك:-

1- في إفريقيا/ استولوا على عددٍ من المساجد التي بُنيت بواسطة أهل السنّة، واستخدامها منبرًا لنشر الفكر الثوري الإيراني في كل من (نيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا والسنغال ومالي).

2- في أمريكا الشمالية/ تمكّنوا من الاستيلاء على المركز الإسلامي بواشنطن، والعديد من المساجد والمراكز الإسلامية التي أنشأها أهل السنة هناك

3- في آسيا واستراليا/ قاموا بالاستيلاء على الجامع الكبير في "سيدني" باستراليا، واستولوا على مسجدين في "سنغافورة"، وخمسة مساجد في "بانكوك" وعدد من المساجد في إندونيسيا والفلبين.

4- في أوروبا/ تمكنوا من الاستيلاء على مركز إسلامي في "لندن"، واستولوا على جامع في "ميونيخ".

ومن الأمثلة التي سبقت، نلحظ أن فكرة الاستيلاء والسيطرة على المساجد، هي جزءٌ من عقيدة القوم؛ لأنها قائمة على أساس تصدير الفكر الثوري الشيعي، تمهيدًا لحكومة "المهدي".

ثالثًا:- الجانب التعليمي:

ركزت حكومة الثورة الإيرانية على محاولة استقطاب الشباب للدراسة في الحوزات العلمية في مدينة "قُم"، وسهّلت للآلاف من الشباب من مختلف دول العالم الدراسة على نفقتهم، بحيث يتخرج في النهاية داعية لمذهبهم، ويزوّدونه بما يحتاج من مالٍ وغيره. يقول "جيمس بلاك" أحد مساعدي الإدارة الأمريكية لمجلة "التايم" في 4/ 11/1991: "إن الحكومة الإيرانية تُرسل الأموال والبعثات (الثقافية) إلى بلدان مثل "غانا" و"نيجيريا"، وتستقبل الطلاب المسلمين من "تايلاند" و"بورما" و"إندونيسيا" ليتلقوا الدراسة في "قُم"، كما أن النظام الإيراني يولّي الجمهوريات الإسلامية التي استقلت من الاتحاد السوفيتي اهتمامًا كبيرًا، ويسعى لإيجاد عملاء له في تلك البلاد من خلال نشر التشيّع، مثلما حدث في غرب إفريقيا و"نيجيريا"، حيث أصبحت الأقلية الشيعية أشد على المسلمين من النصارى.

رابعًا: إرسال الدعاة والمبلغين الذين يقومون بعملية التبليغ الثوري، وترسل لهم الأموال اللازمة لإنجاح ذلك المشروع.

خامساً: لسفارات الثقافية ووزارة الخارجية: وتعد هذه النقطة واحدة من أهم وسائل تصدير الثورة، حيث يتم التنسيق السياسي من خلالها، وتقوم السفارات الإيرانية في مختلف البلدان بتوزيع الكتب والمبلغين والأموال اللازمة لإنجاح المشروع.

السياسة الخارجية الإيرانية

يُصاب بعض المراقبين للسياسة الخارجية الإيرانية أحيانًا بالدهشة؛ نتيجة ما يصفه بتناقض مواقف السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أنه من المهم توضيحه أن فكر السياسة الخارجية الإيرانية هو ذاته فكر "الخميني"، الذي يعتبر الأساس الشرعي للسياسة الخارجية الإيرانية، ووفقًا للدستور الإيراني، فإن الزعيم الأكبر "خامنئي" هو صاحب القرار النهائي للشئون الداخلية والخارجية الإيرانية، وهو القطب الرئيس في وضع السياسة الخارجية الإيرانية.

إن المرشد الأول للثورة "الخميني" لم يتركْ الأمرَ هكذا، فقد وضع أهدافًا للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة، أهمها:-

-        تصدير الثورة إلى خارج إيران.

-        تأمين الاحتياجات اللازمة لتصدير الثورة، وتأمين الاحتياجات الداخلية والمصالح القومية لإيران.

-        بناء علاقات مع كافة الدول، ثم تدعيم هذه العلاقات.

-        السعي من أجل إقامة الوحدة العالمية بين مكوّنات الطائفة الشيعية.

واعتمدت السياسة الخارجية الإيرانية في ذلك على نشر المفاهيم الثورية؛ بغية تهيئة الأرض المناسبة لتصدير الثورة، والقاعدة الأساس للانطلاق، يقول "أحمد خميني": (إن إيران الإسلامية ستكون المقر الكبير للثورة، ومركزًا لجهاد الإفريقيين والشرق أوسطيين ومسلمي سائر أنحاء العالم، علينا أن نسعى كما كنّا في السابق، محل اعتماد الأبناء الثوريين للإمام "الخميني" في شتى أنحاء العالم!!).

وقد صرّح "خامنئي" في خطبة الجمعة بطهران في (5 كانون الثاني 1986) قائلا:- (إن علاقة إيران مع أية دولة أجنبية تتوقف على مصالحها الوطنية).

وعندما فاز عمدة طهران، المحافظ المتشدد "محمود أحمدي نجاد" بانتخابات الرئاسة الإيرانية أمام الرئيس السابق "علي أكبر هاشمي رفسنجاني"، أراد أن يُحدثَ بعض التغييرات على السياسة الخارجية الإيرانية؛ بهدف تصدير الثورة، إذ قال: "إن الأهداف الأولوية الأسبقية لتصدير الثورة عبر السياسة الخارجية هي الدول الخليجية، والدول الإسلامية، والدول غير العدائية)... وهكذا تمكّنت السياسة الخارجية الإيرانية من إعادة العلاقات، وبنجاح مع دول الخليج، من ضمنها المملكة العربية السعودية، بعد أن شهدت العلاقات توترًا كبيرًا بعيد الحرب العراقية الإيرانية، وكذلك تم إعادة العلاقات مع تونس والمغرب والأردن، ولم يكتف بتحسين العلاقات على المستوى السياسي، بل تعدّاه إلى المستوى الاقتصادي مع أغلب الدول العربية، من ضمنها الإمارات رغم الخلاف بينهما على مسالة الجزر الثلاث, وكذلك استطاعت إيران تطوير علاقاتها الخارجية مع جمهوريات آسيا الوسطى، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، ودول أوربية وغربية أخرى، ويسعى "نجاد" الآن إلى دمج إيران بالمجموعة الدولية بعد العزلة التي فـُرضت عليها بسبب مشروعها النووي.

مما سبق نستطيع التوصل إلى أن سياسة إيران الخارجية تجاه الأزمات هي (الاحتواء ثم التوقيفات)، وإن كانت إيران تتعامل الآن بسياسة الصوت العالي مع القوى الكبرى، وطرح مشروع تصدير الثورة بالدبلوماسية الهادئة.

ركائز تصدير الثورة الإيرانية في الوطن العربي

تشير التقارير السرية إلى أن النظام الإيراني أخفق في تصدير الثورة الإيرانية في بعض البلدان؛ ما اضطره إلى تحديث خطط تصدير الثورة والفكر الأمامي، ويتم ذلك عن طريق اختراق الدول العربية والإسلامية، وتسجّل نفس التقارير أن السفارات الإيرانية في لبنان، والكويت، والبحرين، والعراق، قد جرى تفعيلها مؤخرًا، لاسيما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بواسطة سلسلة من التعيينات والتنقلات, وأن معظم الدبلوماسيين الجدد هم من ضباط الحرس الثوري، وضباط الاستخبارات التابعين للمرشد، بمن فيهم المشرفون على الملحقات الثقافية. هذا, ويتم تصدير الثورة عبر ركائز متعددة، لعل أهمها:-

- الركيزة الأولى: (الساحة العراقية):

أدى سقوط بغداد إلى جملة من التغييرات، صاحبَه تطلعات الإيرانيين لتصدير الفكر الإمامي والثوري في منطقة الخليج عمومًا والعراق خصوصًا. لاسيّما بعد أن شكّل الائتلاف الشيعي الحكومة العراقية, عندها بدأ الطموح الإيراني والسياسة التوسعية تطفو على السطح، وبدأت أصوات الائتلاف تتناغم مع أصوات مصدّري الثورة القابعين في القنصليات الإيرانية في العراق، بإقامة إقليم الوسط والجنوب(الشيعييْن)؛ لتهيئة الأرضية الخصبة لانطلاق الهلال الشيعي.لاسيّما وأنه إذا ما انطلق من العراق؛ فإنه سيتجاوز الاختلاف القومي، الذي ربما كان العقبة الصعبة أمام تصدير الثورة إلى منطقة الخليج والوطن العربي، وكما قلنا وفصّلنا ذلك في الجزء الأول من هذا المقال في العدد السابق: (إن اتخاذ العراق ليكون واجهة لتنفيذ مشروع تصدير الثورة، سيعطي هذا المشروع حيوية وفعالية، لم يحظ بها منذ تأسيسه؛ وذلك بسبب البعد القومي الذي يفتقده المشروع في ثمانينيات القرن الماضي. كما أن العرب لم يتقبلوا الدخول في مشاريع استراتيجية مع الفرس؛ لذلك فإن قومية العراقيين العربية ستتجاوز هذه النقطة، وهذا ما يصبو إليه مصدّرو فكر الثورة الإيرانية).

ولعل تكامل الأدوار مع المحتل، أعطى لإيران نوعًا من السلطة المفترضة داخل العراق عبر فرق الموت التي تجوب العراق والوزارات العراقية والمليشيات المعروفة، وربما أهمها (مليشيا "جيش المهدي" التابع للشاب المتشدد "مقتدى الصدر")، والتي قامت بأضخم عمليات التطهير الطائفي لأهل السنة في تاريخ البشرية.

أركان تصدير الثورة في العراق

ولعل ركيزة الساحة العراقية تعتمد في تصدير الثورة الإيرانية إلى العراق على عدة أركان أهمها:-

-        التآمر مع القوى الغربية الكبرى(أمريكا وحلفائها) في اجتياح العراق، وهو ذات الأمر قد حدث في أفغانستان، وهذا ما افتخر به كبار المسئولين وصرّحوا به قائلين: (لولا إيران ما احتلت أمريكا العراق، ولولا إيران ما احتلت أمريكا أفغانستان).

-        تلويح الساسة الإيرانيين بالورقة المذهبية لاستخدامها في أي استحقاق إقليمي ودولي، والقيام بأعمال التطهير الطائفي، وإشعال فتيل الحرب الأهلية بواسطة المليشيات التي تبنّتها بالدعم اللوجستي، وأحيانًا العسكري، وقيامهم بالتهجير والقتل الدموي، وتدمير واحتلال المساجد.

-        اغتيال الكفاءات العلمية والدينية المناوئة لفكرة الإمامة في العراق.

-        السيطرة الديموغرافية على الجنوب العراقي، حيث بدأ بالتحول إلى مقاطعة إيرانية، وتعرّضت مناطق أهل السُنة هناك إلى حملات تبشير شيعي، وسطوة كبيرة، وقتل وتهجير بواسطة شخصيات حملت حقد التاريخ بأفكارها وأفعالها.

الركيزة الثانية: (الساحة السوريّة):

بدأ التحالف الاستراتيجي بين "سوريا" و"إيران" في الثمانينات، عندما اختار الرئيس السوري آنذاك "حافظ الأسد" الانحياز إلى إيران في حربها مع العراق، وظلت إيران تستخدم سوريا كمركز للتشيّع، ووثّقت التعاون الاستراتيجي والعسكري بين(طهران ودمشق)، وتمكّنت إيران من إنشاء جبهة مشتركة لمواجهة محاولات العزل الأمريكي.

والواقع السوري الحالي يشير إلى هيمنة شبه كاملة، وتحوّل الدعم الإيراني لدمشق إلى نوع من الوصايا, وأن النظام السوري اليوم يجد نفسه بين (مطرقة الضغوط الدولية وسندان الإنقاذ الإيراني).

وتشير التقارير إلى أن سوريا تُشَيّع مرحليًا عن طريق دخول عشرات الآلاف من الإيرانيين بشكلٍ دوري إلى سوريا، حيث يتوزع هؤلاء على المراكز الدينية الشيعية مثل (السيدة زينب والسيدة سُكينة)، وأن عملية تعرض المجتمع السوري إلى حملة تشيّع هي مقصودة ومنظمة، وخُصصت لها ميزانيةٌ ضخمة بمئات الملايين من الدولارات، وتشير المعلومات إلى أن الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات، شملت كل المحافظات السوريّة في بلد يعتبر ذا أغلبية سُنيّة ساحقة.

وتضيف المعلومات أن عدد الحوزات الشيعية قد زاد في سوريا بشكلٍ كبير بدعمٍ إيراني واضح، وأن المبلغين يطوفون المدن والقرى السورية، ونتيجة الضغوطات الدولية المفروضة على سوريا والعزلة الأمريكية؛ فان إيران استغلت ذلك بتعزيز الحلف الاستراتيجي مع سوريا، مشروطًا بضريبة تتمثل بفتح حسينيات، ومراكز دينية وثقافية، ومراكز تدريس ومكتبات في غالبية المناطق، ووصلت مؤخرًا إلى "حلب" وضواحيها، و"حمص"، و"حماة"، و"الحَسَّـكة"، و"القامشلي"، و"الرقة" و"اللاذقية"، و"دير الزور" وغيرها كثير, ولم تعد هذه النشاطات محصورة في السيدة زينب كما كان سابقًا. وفي موازاة ذلك، فقد لوحظ أن إيران تلعب دورًا كبيرًا في تمويل وبناء المستشفيات والمستوصفات الخيرية، ومن أشهرها مستشفى الخميني في "دمشق"، والمستشفى الخيري في "حلب".

وتشير التقارير إلى أن أنشط الجمعيات الخيرية في سوريا هي الجمعيات ذات التمويل الإيراني، ونشرت صحيفة "الموطن العربي"، في عددها الصادر في 12/ 6/2006: (إنه في الآونة الأخيرة بدأ الإيرانيون بإعداد برامج تعاون ثقافي، تشمل زيارات منظمة إلى سوريا، وتخصيص مِنَح دراسية في الجامعات الإيرانية، وقد أدى هذا التعاون إلى إدخال تعليم اللغة الفارسية في عددٍ من الجامعات السوريّة، لكن الجانب الأكثر إثارة لحساسية السوريين هو امتداد عملية نشر التفريس إلى حدّ ظاهرة الدعوة إلى التشيّع، والعمل على إقناع الشباب السوري باعتناق المذهب الشيعي، وقد وصل الأمر إلى حد توفر فرص عمل لهم في المراكز الثقافية الدينية، وخصوصًا المركز الثقافي الإيراني في دمشق), وتذكر الصحيفة: (إن الشيخ "محمود الحائري"، الذي يشرف على حوزة "شيرازية" يعترف بأنه يلتقي كل أسبوع بسوري يريد اعتناق المذهب الشيعي). إن مدى الاختراق الإيراني لسوريا مرشح للتحول إلى قنبلة معدّة للانفجار بالوضع الداخلي السوري، على خلفية التذمر الشعبي من التغلغل الإيراني في سوريا أولاً، ومن حملة الاعتقالات ضد أهل السُنة هناك، ومحاصرة المؤسسات التعليمية والإسلامية ثانيًا.

الركيزة الثالثة: (الساحة اللبنانية):

لا يخفى على أحد حجم الدور الإيراني المتمثل في "حزب الله" في لبنان، إذ يعتبر "حزب الله" مفتاح إيران لنشر التشيّع وتصدير الثورة إلى لبنان، عبر تحويل الجنوب اللبناني إلى دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية، وتسعى إيران لتشييع لبنان عبر الجنوب الذي يسيطر عليه "حزب الله"، (والذي يكون فيه أهل السنّة بين مضطهدٍ أو مهجرٍ، كما إن مساجد أهل السنة هناك تعد بالأصابع مقارنة بالحسينيات والمراكز الدينية) ويعتبر الجنوب اللبناني قاعدة الانطلاق نحو تشييع لبنان، وهذا ما صرّح به أكثر من مرة "وليد جنبلاط" لصحيفة "الزمان" (بأن إيران تريد تشييع لبنان عبر "حزب الله"), و"حزب الله" بقيادة "حسن نصر الله"، (الذي يدين بولاية الفقيه لـ "علي خامنئي") يلعب بورقة المقاومة المزيّفة لكسب أوراق على الساحة الدولية، وللاحتفاظ بالسلاح من أجل خلط الأوراق السياسية في لبنان لصالح أركان النظام الإيراني ومشروعه التبشيري، وكذلك لاستفزاز "إسرائيل" كلما اقتضى ذلك مصلحة أطراف المشروع الشيعي في إيران.

الركيزة الرابعة: (الساحة الخليجية):

يعتبر الشيعة في دول الخليج من الأقليات الدينية، حيث لا تتجاوز نسبتهم في بعض الدول 10%, وعلى الرغم من عددهم القليل؛ إلا أنهم يحاولون الظهور في هذه المرحلة كقوة شعبية لا يُستهانُ بها.

إن محاولات ابتلاع الخليج عبر شتّى أنواع الوسائل هي ليست بالقضية الجديدة، إذ بعد نجاح الثورة وتمكينها في إيران، واستيلاء "الخميني" ومن معه على السلطة، أطلق المسئول الإيراني "صادق روحاني" تصريحاته، التي طالب فيها بضم البحرين إلى إيران، ووصف حكومة "الشاه" بأنها هي من تنازلت عن البحرين.

والناظر بعمق لشيعة الخليج، يلمس أنهم بالفعل بدأوا فعلاً بالتحرك لأخذ مكانة أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وشيعة الخليج وبتخطيطٍ إيراني منظّم، يحاولون الاستفادة من أي وضع يسمح لهم بالبروز, حيث استغل شيعة البحرين الوضع الإصلاحي الجديد الذي سمح للشيعة بأخذ مكانة أكبر في نواحي المجتمع, واستفاد الشيعة في الكويت كذلك من حالة الانفتاح السياسي، فأصبح لهم ممثلون في البرلمان الكويتي.

وكذلك حاول شيعة الخليج ـ وبتمويل إيراني ـ الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية، وفي خطوةٍ فريدةٍ من نوعها نحو السيطرة الاقتصادية على السوق العربي, إذ يلاحظ أن هناك الكثير من النشاطات التجارية والشركات الاقتصادية، يتحكم فيها الشيعة في منطقة الخليج، بالإضافة إلى إرسال العديد من الطلبة الإيرانيين إلى الخليج؛ بهدف الدراسة في الأقسام والفروع الخاصة بالبتروكيمياويات، واستخراج النفط والتقنيات التكنولوجية.

كما يؤكّد موقع "المسلم" الالكتروني، أن تجار الشيعة في الخليج امتلكوا مكانة بارزة في سوق الذهب، ولا يقتصر نشاطهم على الجانب الاقتصادي، بل تعدى ذلك إلى اهتمامهم بالزواج المبكر، وإقامة مهرجانات الزواج الجماعي كمحاولة لزيادة النسل, كما بدأوا بالمطالبة ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات الدينية، وما زيارة الشاب المتشدد "مقتدى الصدر" إلى دول الخليج والأردن، والمطالبة ببناء البقيع وبعض الأضرحة إلا دليل على محاولة القوم تشييع الخليج والخليجيين؛ بالاستفادة من الأوضاع التي خلفتها سقوط بغداد. وعلى الرغم من أن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنونها الآن، لكن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم، أو حتى إقامة حكومة شيعية منفصلة كما يحدث الآن في كثير من الدول العربية، مثل العراق (إذ يحاول معظم أركان الائتلاف إقامة إقليم الوسط والجنوب الشيعييْن) ولبنان، وتظاهرات الشيعة في "سوريا"، و"الأحساء"، و"القطيف"، إلى ذلك صرحت مجلة الشهيد الدورية(مجلة تصدرها حركة التحرير الإسلامية في إيران)، بعددها الـ 12، وبتاريخ 12/ 12/1987، بقولها: "إن الثورة في إيران ليست إلا الشرارة الأولى التي سوف تفجّر كل المنطقة".

ونختم هذه النقطة بتصريح لصحيفة "الوطن العربي"، بتاريخ 4/6/2004 العدد(1424): "بدأ تزايد الوفود الإيرانية والاقتصادية لعدد من الدول الخليجية؛ الأمر الذي أدى إلى تزايد ارتفاع نسبة رجال الأعمال والسائحين الإيرانيين الذين يقصدون دولاً مثل "الكويت" و"البحرين" و"العراق"، ويسعون للاستقرار فيها".

 ونتيجةً لكل ما سبق؛ أصبح لزامًا على العرب ـ حكامًا ومحكومين ـ أن يستوعبوا حقيقة مشهد تصدير الثورة الإيرانية بثوبٍ جديدٍ إلى كل المناطق العربية دون استثناء، كمحاولة لتشييع هذه المناطق، وإعادة المجد الفارسي. لذلك فإن أمر استيعاب هذا الخطر لا يتم بالخطابات المرتجلة، ولا المزايدات السياسية المبتذلة، وإنما يكون عبر بناء منظومة متوازنة لمواجهة حملات التصدير الرامية إلى تغيير هوية الأمتيْن العربية والإسلامية، ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاومة المشروع الصفوي، الذي يعتبر التهديد الأكبر لوجودنا وديننا وحاضرنا، وسلامة أوطاننا وأجيالنا.

 



مقالات ذات صلة