"المُقدس" الذي خنس

"المُقدس"  الذي خنس
"المُقدس" الذي خنس

خلقنا الله تعالى وأوجدنا، وفرض علينا التوحيد، بالتوجه له وحده في عبادته ودعاءه دون سواه.
وهذا ما تميّزت به هذه الأمّة عن غيرها من الأمم أنّها كانت أمّة التّوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، فحين ضلّت الأقوام السّابقة عن الحقّ وتنكّبت عن الصّراط القويم، هدى الله هذه الأمّة إلى الطّريق المستقيم والحقّ المبين بإذنه، وكان ذلك من فضل الله تعالى على هذه الأمّة.

حرصت الشريعة على الحفاظ على معالمها حتى أصبحت من الضروريات الخمس الأساسية، ضرورة (حفظ الدين) .

قبل الإسلام لم تكن قريش ينقصها الخلق النبيل أو الطبع الكريم، بقدر ما كان ينقصهم التوحيد للخالق، والذي بسببه تم إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، حيث أُرسل بدعوة توحيد الله وافراده بالعبادة و تحذيرهم من الشرك، وتحوّل العبادة من مخلوق ضعيف أو جماد لا ينفع ولا يضر إلى عبادة الخالق سبحانه وتعالى.

ومن المفارقات أنّ دعوة التوحيد للخالق سبحانه وتعالى، جاءت منادية بها جميع الأديان السماوية ـ قبل الإسلام ـ بل ومؤكدة عليه، وتحديداً في الكتاب المقدس عند اليهود بما يُعرف بالعهد القديم (التوراة)، والعهد الجديد (الانجيل) عند النصارى .

الكتاب المقدس بشقّيه التوراة والانجيل، رغم ما اعتراهما من تحريف، إلا أنهما حملاً نصوصاً كثيرة تدعوا إلى توحيد ودعوة الخالق سبحانه وتعالى دون غيره.
فجاء في العهد القديم (التوراة):
1ـ (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.
لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ). المصدر : الاصحاح 20 من سفر الخروج، العدد :3 ، 5 ).
2ـ (قبلي لم يصور اله و بعدي لا يكون.
أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ.). المصدر: الاصحاح 43 من سفر إشعياء، العدد:10،11).

وجاء في العهد الجديد (الإنجيل):
1ـ (بِالْحَقِّ قُلْتَ لأَنَّهُ اللَّهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ) المصدر : انجيل مرقص، الاصحاح (12)، العدد: (32) .
2ـ (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي). المصدر : إنجيل يُوحنا، الاصحاح (17) ، العدد: (3).

ونعم ما اختصره الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه في تعريفه لدعوة التوحيد الخالصة، حين قال لرستم: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله). المصدر: (البداية والنهاية) لابن كثير، الجزء السابع ـ سنة أربع عشرة من الهجرة ـ غزوة القادسية.

#مُقدس خنس:
لطالما كان عوام الشيعة يرون التأثير الغيبي العابر للقارات في الأضرحة والمراقد، وبأنها المُخلّص لهم من ذنوبهم، والشفيع لهم، والمجيب لطلب قضاء حوائجهم وكشف كرباتهم.

حتى تم افتعال زيارات وأدعية وطقوس وتواريخ ومواسم لزيارة كل ضريح ومرقد!)
الحاجة الروحية وَلّدت نفسية شيعية ذات سيكولوجية مرتبطة روحياً بالأئمة الاثني عشر عندهم.

بما أنّ غالبية الائمة الاثني عشر لم يتقلّد أحد منهم السلطة أو الحكم، غير الإمام علي بن أبي طالب، وابنه الحسن رضي الله عنهما، لذا فإن باقي الأئمة لم يتميزوا بجهاد أو فتح، بل كانوا في حالة عزلة وغياب عن التاريخ الإسلامي.

في ظل هذا الغياب تم ابتكار شخصية وهمية لهؤلاء الأئمة من عالم الخيال انقدحت مع الوقت في مخيلة الشيعة مما جعلتهم يُوجدوا حالة من التعويض في الدور الذي اُخذ من الأئمة، حيث استبدلوه بدور سماوي روحاني. وساهم في تعزيز هذا الطقس الخرافي ما نسجه علماءهم من أساطير وخرافات من أنّ القبر الفلاني متميّز بقضاء الحاجة بحجة أنّ فلان من الناس جرّب الأمر وانتفع به.

ورغم أنّ شخصية الإمام المعصوم في واقعها التاريخي هي شخصية مسلوبة الإرادة عن نصرة أقرب المقربين لها حال حياتها فكيف بعد مماتها.

تبقى هذه الطقوس الخرافية أساسية، و ذات أثر عملي واضح في تشكيل الحياة الشيعية بأكملها لنرى تداخلاً كبيراً بين ما هو ديني وما هو اجتماعي، حتى أصبح الشيعي البسيط في حياته العملية لا يفتأ يُكرر بلسانه ـ دون شعور منه ـ عبارات صريحة بطلب الغوث من صاحب قبر، كأن يقول (يا علي أغثني)، (يا مهدي أدركني)، … الخ.

هذا الطقس ساهم في ظهور الشيعة كجماعة واحدة لها لغتها الرمزية .
فتقديس القبور وزيارة المشاهد هو طقس شيعي في نشأته فالشيعة هم أول من بنى المشاهد والمساجد على القبور في الإسلام، فالشيعة تتبعوا قبور من مات قديماً من شخصيات يُعظمونهم من آل البيت كعلي بن أبي طالب أو الحسين رضي الله عنهما و من سموهم بالأئمة من أهل البيت الذين يدينون بالولاء لهم، فأخذوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد ومزارات.

التشيّع والطقوس حالة من هالة قدسية رسمت في مخيلة الشيعة الامامية تجاه القبر والضريح، حيث عكفوا على قبورهم وعظموها لحد الغلو، بصرفهم لها أنواعاً من العبادات التي لا ينبغي صرفها إلا لله تعالى، فجعلوهم شركاء مع الله في العبادة والدعاء والتوجه لقضاء الحاجات والاستغاثة بهم لطلب المدد والقربات.

وكما يقول المثل : (رب ضارة نافعة)، فإن من حسنات فايروس كورونا المخيف، بأن أنتج أزمة فكرية تُواجه الطقس الشيعي، حيث كشف لنا حقيقة خرافة هذه الأضرحة من حيث أنها لا تملك تأثيراً أو قوة، فأصبحت المبيدات المعقمة هي المسيطر عليها في تطهيرها وتعقيمها وتنقيتها مما علق بها من فايروسات.

وهذا أمر يُثير الريبة، ويفعل إشكالاً وتساؤلاً خطيراً، فإنّ ضريح الإمام علي الرضا بمشهد، روضة من رياض الجنة بحسب معتقد الدين الشيعي بما رووه في كتبهم المعتمدة عن علي الرضا، حيث يقول: (إنّ في أرض خراسان بقعة من الأرض، يأتي عليها زمان تكون مهبطاً للملائكة، ففي كل وقت ينزل إليها فوج إلى يوم نفخ الصور، فقيل له عليه السلام: وأي بقعة هذه؟ فقال: هي أرض طوس، وهي والله روضة من رياض الجنة). المصدر: بحار الأنوار للمجلسي، (48/321).

فكيف يكون موقع هذا الضريح روضة من رياض الجنة، وتحفه الملائكة، وفي نفس الوقت يُصبح مكاناً للأمراض والأوبئة؟!

لو كانت هذه الأضرحة تجلب نفعاً أو تمنع ضراً لمنعت شيعتها ومحبيها من الإصابة بهذا الفايروس المخيف.
فكان حالها أن أطلقنا عليها بـ (المقدس الذي خنس)، وصدق الله تعالى حين قال (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).

#حقيقة أم فضيحة :
رغم ما يُوجد من إقبال منقطع النظير من الشيعة تجاه قبور الأئمة، من انكباب عليها، وطواف حولها، وتزاحم وبكاء عندها، إلا أنّ مما يُثير العجب والغرابة، أن نجد في ثنايا كتب الشيعة المعتمدة روايات تنهى صراحة عن تعظيم القبور، بالبناء عليها أو اتخاذها مكاناً للعبادة والقداسة!

على سبيل المثال :
1ـ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً فإن الله عز وجل لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . المصدر: من لا يحضره الفقيه للصدوق،(1/178).

2ـ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تتخذوا قبوركم مساجد ولا بيوتكم قبوراً). المصدر: مستدرك الوسائل للطبرسي (2/379).

3ـ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هدم القبور وكسر الصور). المصدر: وسائل الشيعة للعاملي (2/870).

وغيرها نصوص كُثر، قد رُويت كذلك عن الإمام جعفر الصادق والإمام علي الرضا، وغيرهما.
إنّ سبب إيراد هذه النصوص المستفيضة جاء لسد ذريعة تعظيم المخلوق ورفعه فوق الخالق، بأن يُقصد من دون الله تعالى في طلب الحاجات وكشف الكربات.

وبالفعل هذا ما حصل لاحقاً، فقد ضُيعت دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتوحيدالتي تنبذ الشرك والخرافة.

والعجيب أنّ دهاقنة الحوزة، والكهنة الاكلروسية من مراجع الدين، وخطباء المنابر الحسينية، أخفوا على عوام الشيعة عن عمد وتقصد النصوص الداعية لنبذ تعظيم القبور واتخاذها وسيلة للشرك من دون الله تعالى، وذلك راجع لعدة أمور :
1ـ صرف عوام الشيعة عن عبادة الله وحده، وتوحيده بإفراده سبحانه وتعالى بالدعاء. قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).

2ـ بث الفرقة بين الأمة الإسلامية، وعدم الوحدة، بأن تكون الشيعة فرقة شاذة في عباداتها وأفعالها وصرف العوام عن باقي الموحدين من المسلمين.

3ـ الاستفادة مادياً من جيوب عوام الشيعة، حيث تُعتبر المرقد والأضرحة من التجارة الرابحة التي تدر الأموال، فيتم سلبها من العامي الشيعي البسيط دون أن يكون له حق السؤال حول من يقبض هذه الأموال وفيما تصرف!
وهذا ما دعا إليه المرجع العراقي الشيعي أحمد الحسني الصرخي بأن تُشكّل لجنة من وزارات الدولة في العراق (للإشراف على عائدات المراقد الشيعية في مدينة كربلاء بجنوب العراق، مؤكداً أنها تبلغ مليارات الدولارات وتكفي لرصف أرض العراق بالذهب، ـ كما أنّ ـ عائدات تلك المراقد وخلال السنوات العشر الأخيرة تُسرق وتُملأ بها الكروش والجيوب والأرصدة، بل وتُشترى بها القصور ويُساهَم بها في الشركات العالمية في كل البلدان إلاّ في العراق وإلا أرامل ويتامى وفقراء العراق).

اللهم أحينا على فطرة الإسلام، وأمتنا على توحيد الخالق الديان..
اللهم أمين .

كتبه / عبدالرحمن السقاف

 

المصدر : موقع عبدالرحمن السقاف - حقائق غائبة

26/7/1441

21/3/2020



مقالات ذات صلة