وخامنئي.. إلى أين سيهرب؟
محمد اقبال
التاريخ: 27/2/1432 الموافق 02-02-2011
«اليوم بن علي وغدا سيد علي»، هذا الشعار يكتب ويتداول بين المواطنين في الشارع الإيراني و«السيد علي» هو السيد علي خامنئي الولي الفقيه. وبفرار بن علي وبانتفاضة تونس يستذكر النظام الإيراني الانتفاضة التي انطلقت في يونيو 2009 واستمرت بالرغم من القمع الواسع وبشتى الأشكال وكانت لها ثمارها على كافة الأصعدة ومن ضمنها إظهار التناقضات الحادة في داخل النظام والشرخ الحاصل في رأس نظام ولاية الفقيه وكسر شوكته. ولا يمر يوم لا تعبر فيه سلطات النظام في إيران عن فرحتها ببقاء النظام وعدم سقوطه وعدم انتصار «المنافقين» وتيار «الفتنة».
وقبل أيام وتحديدا في 11 يناير الحالي استذكر خامنئي في اجتماع عدد من أياديه الذين تم حشدهم من مدينة «قم» قائلا: «لقد رأى العدو كل شيء من خلف المشهد.. وخطتهم الرئيسية كانت إزالة الجمهورية الإسلامية». ثم طالب السلطة القضائية والأجهزة القمعية في النظام بمواجهة الشعب وقال: «على المسؤولين في السلطات الثلاث والأجهزة المختلفة أن تنفذ مهامهم إزاء المفسدين والمشاغبين ومناهضي الثورة والأمن..». ووفق هذا التكليف نفذت «الأجهزة الحكومية المختلفة» مهامها حيث توسعت حالات القمع واعتقال الناشطين السياسيين وموجة الإعدامات في أنحاء إيران لتصل إلى سجناء سياسيين منتمين لـ«مجاهدين خلق» وكانت تهمتهم السفر إلى أشرف لزيارة ذويهم ومن ضمنهم علي صارمي وجعفر كاظمي ومحمد علي حاج آقائي.
وقبل ذلك - أي في الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة عاشوراء يوم 28 ديسمبر 2009 – حيث، وباعتراف قادة الشرطة، كادت طهران كليا تسقط إذا ما انضمت إلى بعضها البعض خمس مناطق فيها تلك التي كانت بيد المتظاهرين، أذعن هؤلاء القادة إلى أن هدف الانتفاضة كان إسقاط النظام برمته محذرين أن «الفتنة» لم تنته بعد. وقال الحرسي «آسودي» المساعد الثقافي والإعلامي للحرس الثوري الإيراني لوكالة أنباء «فارس» التابعة للحرس نفسه: «إن فتنة العام الماضي لم تكن أزمة بل كانت حربا شاملة.. وكان يقول البعض إن أمر النظام قد انتهى». وأكد صفار هرندي وزير الإرشاد (الإعلام) السابق أن هدف «المشاغبين» كان إسقاط النظام.
أما «آية الله» جنتي سكرتير مجلس صيانة الدستور الذي يحمل لقب «إمام جمعة المؤقت» لطهران فقد استذكر في خطبته يوم 10 ديسمبر الماضي كابوس الإسقاط نفسه والانتفاضة العارمة مؤكدا: «لن ننسى أبدا هذه المشاهد، وكانوا يفكرون أن النظام في منحدر السقوط.. وتم طرح مسألة إسقاط النظام في داخل البلاد وخارجه». وأضاف جنتي إن هناك من لم يصدق كلام الزعيم (خامنئي) عندما كان يقول: «إن الموضوع ليس الانتخابات، وليست موضوع جزئي وبسيط وليس الموضوع حتى ولاية الفقيه.. بل المسألة هي مسألة النظام». وفي إشارة إلى مصداقية البديل الديمقراطي لهذا النظام في الساحة الدولية أضاف: «وفي الخارج أيضا هم يؤيدون «مجاهدين خلق» بشكل وقح..».
وبث التلفزيون الحكومي الإيراني تصريحات قائد قوات الأمن الداخلي الحرسي أحمدي مقدم حيث كان يشير إلى الكابوس نفسه معترفا أنه مقارنة بالدول الأخرى كان من الممكن أن تؤدي انتفاضة العام الماضي إلى إسقاط النظام وقال: «عبرنا العام الماضي من فتنة كبيرة جدا.. وكان علينا أن نحمي بين الحين والآخر المركز الرئيسي للإذاعة والتلفزيون لكي لا يتم احتلاله».
وينوي الآن خامنئي وبعد زيارة رسمية واحدة لمدينة «قم» وأربعة زيارات غير رسمية ينوي السفر للمرة الخامسة وبشكل غير رسمي إلى قم لسد الشروخ المتنامية الناتجة عن الانتفاضة العارمة الشعبية في أوساط رجال الدين المستائين اغلبهم ويشاهد ابتعاد الكثير منهم من خامنئي.. وتأتي هذه الزيارات لإجبار رجال الدين على تأييده في مخططاته لقمع الانتفاضة والحيلولة دون استمرارها وكان الرد سلبيا حتى الآن لأنهم يدركون ويشعرون أكثر منه بنهاية نظام ولاية الفقيه.
والسؤال المطروح هو إلى أين سيهرب خامنئي بعد إسقاط نظام ولاية الفقيه؟ لأن الشاه هرب إلى أميركا وبن علي بعد أن رفضت فرنسا السماح له بالدخول وجد مكانا ما يلجأ إليه. وهل ستعطيه سورية أو فنزويلا حق اللجوء؟ برأينا الجواب: لا. وعليه فالأجدر لزعيم «النظام المقدس الجمهورية الإسلامية» أن يبقى في إيران ويحاكم بشكل عادل. الشعب الإيراني الذي يرى أمامه البديل الديمقراطي لهذا النظام في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والذي تتوسع شعبيته يوما بعد يوم في داخل إيران ويحظى بترحيب دولي واسع، والشعب الذي شاهد الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ضد الإنسانية ومن ضمنها مجزرة السجناء السياسيين عام 1988 وإعدام أكثر من 120 ألف سجين سياسي منتم لـ«مجاهدين خلق» وغيرهم، حيث أدت جرائمه إلى إدانته 57 مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، نعم هذا الشعب لن يترك هذا النظام وولي فقيهه على حاله. ومن ذاكرة التأريخ نذكر محاكم نورنبرغ بعد الحرب العالمية الثانية الخاصة بمحاكمة النازيين في ألمانيا، كان رموز النظام الهتلري، قد جلسوا في المنصة لفترات طويلة بصفة مراقبين فقط. ويأتي ممارسو التعذيب والمستنطقون ورؤساء فرق الموت واحدا تلو الآخر ويشرح الجرائم التي كان قد ارتكبها. وكان السؤال الأخير الموجه لكل واحد منهم هو أنه من كان آمرك أو رئيسك؟ وفي أي درجة كانت مسؤولياتك ضمن السلسلة الهرمية للمسؤوليات والصلاحيات؟ وكان الجواب واضحا وحسب الترتيب يصل إلى أحد الرموز ويوضح من هو الذي أمر بارتكاب هذه الجرائم. وعلى خامنئي أن يشاهد جميع شهادات عملائه ورجاله حتى في بلدان أخرى من ضمنها العراق بشكل خاص. وبالطبع وبعد هذا كله سيصل دوره ليحاكم هو أيضا.
* خبير استراتيجي إيراني
المصدر: الشرق الأوسط