ماهر فرغلي
كشف تقرير الحالة الدينية الذي يصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث أن ظاهرة التشيّع بالمغرب أصبحت تحدياً جدياً يواجه المملكة المغربية، فلقد كانت منظومة التدين مؤطرة منذ قرون طويلة بتصوّرات المذهب المالكي والاعتقاد الأشعري، غير أن إيران وحلفاءها مذهبياً وطائفياً أخذوا يستغلون تحوّلات ما أطلق عليه علماء الاجتماع المعاصر «عصر الأديان» وموجاته المعقدة، لنشر التشيّع بشمال أفريقيا، وهو ما عرّض النسيج الديني بهذه المنطقة للتفاعلات الطائفية التي تحدث بالشرق الأوسط، وأدمجها قسراً في عولمة القيم والتدين المتلبس بالتشيّع الإمامي، الذي اتخذ من المرجعيات العقدية الإيرانية والعراقية واللبنانية مرجعيةً دينيةً عليا.
وتشير تقارير وزارة الخارجية الأميركية أن عدد المتشيعين المغاربة يزداد بنحو ألف سنوياً، بالإضافة الى أكثر من 8 آلاف شيعي وافد من العراقيين والسوريين واللبنانيين الموجودين على أرض المملكة المغربية، في حين يقدر بعض الباحثين في ظاهرة التشيّع أن المستقرين منهم نحو 3 آلاف فقط، وهو ما يشير إلى خطورة الأمر وكان دافعاً السلطات المغربية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإيرانيين.
لماذا المغرب؟
ورد في تقرير صادر عن المركز الأمريكي "بيو للأبحاث" سنة 2012 حول "العالم الإسلامي: الوحدة والتنوع"، أنه يرتبط مفهوم "تصدير الثورة" ارتباطاً عقائدياً بأممية "ولاية الفقيه" العابرة للقارات، التي لا تلتزم بأي معاهدة ثنائية ولا دولية، كما هي صانعة لميلشيات جيش المهدي أو الحشد الشعبي، وتتجلى بوضوح في جماعة الحوثيين و"حزب الله" و"حراس الثورة"، وأن "ولاية الفقيه" وما يسمى "تصدير الثورة" استطاعا أن يؤسسا لجيوش ومجموعات تنفذ في أي وقت مطامع الولي الفقيه وتحقق بذلك الخلافة الفارسية القائمة على الاستيلاء على الأرض.
ونقلت مصادر إعلامية إنه في إحدى خطب الجمعة التي يكلف بها الخطيب مباشرة من "المرشد" خامنئي - خطب (آية الله) محمد تقي مصباح يزدي - مرجع التقليد للرئيس نجاد - وهو متكئ على مدفع رشاش بجانبه، قائلاً: (إن دار الإسلام كلها يجب أن تنضوي تحت قيادة وزعامة إمام معصوم واحد.. إذا كان هناك بلد إسلامي واحد يحكمه نظام الولي الفقيه، هل يجب على المسلمين الذين يعيشون في بلدان غير إسلامية إطاعة أوامره أم لا؟.. طاعة الولي الفقيه واجبة أيضاً حتى على المسلمين في دول غير إسلامية، سواء بايعوا أم لم يبايعوا، لأن البيعة حسب نظرية "ولاية الفقيه" المطلقة لا دور لها في شرعية الولي الفقيه).
من هنا يتبين بجلاء خطورة الأمر، وأن المذهب يسير وراء سياسة محددة معنية بتحقيق أهداف جيوسياسة، ويأتي المغرب في سياق ما يطلق عليه التشييع من أجل ولاية الفقيه.
اصطفاف سياسي وولاء عقدي
يؤكد الباحثون في شأن الحركات الشيعية ومنهم الباحث المصري علي رجب، في تصريح خاص، أن التشيّع بالمغرب ينقسم إلى قسمين: الأول، تشيّع عقدي وهو الأخطر والأقل عددًا. والثاني، تشيّع سياسي وهو الأكثر والأبرز، ويستفيد أساسًا من الموقف الشعبي المغربي حول القضية الفلسطينية، وضرورة مقاومة الكيان الصهيوني.
ويقوم المبشرون بالمذهب الشيعي بتجنيد المغاربة من خلال:
- قناتان في إسبانيا تروجان للفكر الطائفي، تحمل الأولى اسم "تي في بريس" وهي قناة تبث برامجها باللغة الإنجليزية، فيما تحمل الثانية اسم "هيسبان تي في" وتبث برامجها باللغة الإسبانية، وتتلقيان دعماً مباشراً من طرف إيران، وتتوليان مهمة نشر الفكر الطائفي.
وقد قامت إسبانيا وأمريكا اللاتينية تطبيقاً لعقوبات دولية على إيران بإغلاق هذه القنوات.
- موقع "الخط الرسالي" الذي يديره عصام احميدان، إذ يشكل هذا الموقع القناة الأساسية التي تعبر عن المواقف الرسمية الإيرانية تجاه الأحداث الوطنية والدولية.
- موقع "هيئة طنجة" المعروف بدفاعه عن أطروحات الشيعي الكويتي ياسر الحبيب.
- مواقع شبكة الإنترنت والمنتديات والتواصل الاجتماعي، وهي تشكل القناة الرئيسة في الدعوى الشيعية واستقطاب المغاربة إلى المذهب الشيعي، وتعد الوسيلة الأكثر تعبيراً عن مختلف الفعاليات الشيعية في المغرب.
- كتابات ومقالات إدريس هاني في موقع هسبريس وعصام احميدان في موقع "العمق" الممول من طرف عزمي بشارة - ومقالات البشير الحيمر في موقع "السفير 24" وكلها مناوئة لتدخل دول التحالف الإسلامي في اليمن.
تأصيل التشيع المغربي
إن تأصيل التشيع المغربي هو حركة يمكن تلخيصها في كتابات كل من إدريس هاني، المتجهة إلى المجال الفكري والثقافي، والتي تعتبر المغرب بلداً شيعياً من حيث ثقافته وهويته، لأن تاريخه يدل على ذلك، ومنها تلك التعبيرات التي تتحدث عن الاحتفالية بـ"بعاشوراء".
ورد في أحد مقالاته المعنون بـ"التشيع كمكون سوسيو- ثقافي مغربي" المنشور في "موقع هيسبريس" ما يلي: "إن المغرب في تقديري: سني في النظر، شيعي في العمل، سني في الترسيمة المذهبية، شيعي في التعبير عنها، سني في الصورة، شيعي في الجوهر، سني في المذهب، شيعي في الثقافة، سني في الجغرافيا، شيعي في التاريخ، سني في الأحكام، شيعي في الامتثال، سني في الوعي، شيعي في اللاوعي، سني المدعى، شيعي المتخيّل".
ومنذ تشكيل التحالف الإسلامي من أجل الشرعية في اليمن ومحاربة إرهاب داعش، جند اللواء قاسم سليماني أقلاما ومنابر إعلامية لشن حملة ضد دول التحالف، خاصة دول الخليج واللعب على الخلافات بين بعض دول التحالف بخصوص علاقات قطر مع إيران والإخوان المسلمين، وهي من ذات حركات التأصيل للتشيع، ومن أبرز هؤلاء المغربي البشير الحيمر، الذي يخص كل مقالاته في التشهير بدور المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة واللعب على أوتار العلاقات الثنائية المغربية، خاصة مع دولة الامارات، ومنها تعليقه على نتائج القمم الخليجية والعربية والسعودية في موقعه "السفير 24" بقوله: "قمة الدول العربية المنعقدة في السعودية فاشلة وفي مضمونها ناجحة اتفق الجميع على التحربض ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية.. ولكن الأعراب أشد عدواناً ونفاقاً، والموقف الإيراني في الشرق الأوسط ما هو إلا دفاعاً عن الاعتداءات المتكررة على فلسطين وسورية واليمن، وإذا كان العراق الدولة الوحيدة التي عارضت نص القرار ضد إيران فأعتقد أن موقفها عين الصواب".
الاذرع الإيرانية في المغرب
- جمعية «الغدير» في مدينة مكناس التي أسسها شيعة مغاربة تأثروا بالفضاء الجامعي، وما كان يتداول فيه من كتب وأفكار كل من السيد حسين فضل الله، والسيد محمد مهدي شمس الدين، والدكتور علي شريعتي، والسيد محمد باقر الصدر، والرئيس الأسبق محمد خاتمي، في تسعينات القرن العشرين.
-هيئة الإمام الشيرازي، وهي مجموعة متشيّعة كانت تحمل اسم «هيئة شيعة طنجة» قبل عام 2012م، ثم غيّرت اسمها، دون أن تغير من ارتباطها بياسر الحبيب، الطائفي المتطرف المقيم في العاصمة البريطانية لندن حالياً، بعد أن سحبت منه الكويت جنسيتها.
- التيار الرسالي: وهو في أطروحته السياسية والثقافية من اعتبار الحركة الثقافية مدخلاً لبناء الحركة السياسية، وأن هذه الأخيرة أداة للتغيير، ومن ثمّ فإن الأولى هي الأساس في عملية البناء الرسالي، وإدراكاً من الرساليين لطبيعة العلاقة القائمة بين الثقافي والسياسي، فإن هذا التيار يرى أنه لا بد من الاشتغال بمنطق الثقافة السياسية، أي مقاربة القضايا السياسية من زاوية ثقافية، وكذلك بطريقة عملية في الميدان عن طريق الاشتغال في المواقع السياسية، بهدف اكتساب التجربة التي تخوّل لأفراد التيار القدرة على الفعل في عمق المجتمع المدني والسياسي.
كانت أولى مخرجات التيار الرسالي للعلن من خلال تأسيسه لموقعه الإلكتروني الرسمي يوم 19 يناير (كانون الثاني) 2012، وقد جاءت هذه الخطوة بعد محاولات من أفراده في الشرق المغربي ومدينة طنجة، لتأسيس جمعيات تخضع لقانون الحريات العامة، وهي جمعية أنوار المودة بطنجة، وجمعية اللقاء الإنساني بالجهة الشرقية، وكذا تم إصدار عددين من جريدة رؤى معاصرة.
كما أصدر موقع الخط الرسالي عدد من البيانات، كالبيان الذي يطالبون فيه الحكومة المغربية بـ"حماية الشيعة المغاربة ببروكسيل" على خلفيات مقتل عبدالله الدهدوه الذي قتل في بلجيكا عام 2012م، والذي تمكن الخط الرسالي من إقامة جنازته، وشهدت الجنازة خروجاً واضحاً عن المذهب المالكي، من خلال طريقة الدفن مثل دفن كتاب مع الجثة وحضور النساء.
كما ينشط سياسياً كثير من قيادات شيعية مغربية علنا أو "تقية" من خلال "أحزاب وطنية":
- الجبهة الإسلامية لتحرير مراكش والتي أنشاها الرباطي الشرقاوي وكانت تعمل على نشر منشورات وكتب الخميني في المغرب.
- إدريس هاني، بـ"حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية" عام 2015، وكان هاني من المؤسسين لـ"حزب النهضة والفضيلة"، والمعدين لـ"ورقته المذهبية" عام 2005، قبل أن ينسحب منه ويلتحق بحزبه الجديد.
- مصطفى المعتصم والأمين ركالة، الذين أسسا لـ"حزب البديل الحضاري" وبعد رفض السطات المغربية الاعتراف به حاولت عام 2015 بعض الوجوه الشيعية للالتحاق بـ"الحزب الاشتراكي الموحّد"، غير أن أطرافاً من داخل "الحزب" تحفّظت عن اتخاذ هذه الخطوة، خصوصاً مع غموض ارتباطات بعض العناصر الشيعية بإيران، وإيمانها العقدي بـ"ولاية الفقيه".
- البشير الحيمر قيادي في "حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" والذي له مهمة التعبئة من أجل تحسين صورة ايران لدى المغاربة.
- محمد المرواني أحد الوجوه التاريخية لشيعة المغرب، حيث كان أول نواة للعمل الحركي الشيعي في الجامعات المغربية واختراق نقابتها الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) وتشكيله لفصيل الرساليين باسم " طلبة الميثاق".
بلجيكا عاصمة المتشيعين المغاربة
وتلعب سفارة إيران دوراً كبيراً في تأطير الجمعيات الإسلامية الشيعية التابعة لها مالياً، من أجل تشيّع المهاجرين المغاربة، إذ منذ بداية التسعينات من القرن العشرين أقدمت هذه السفارة على تقديم مساعدات مالية شهرية منتظمة للشباب المغربي الوافد إلى بلجيكا، وتشجيعهم على زواج المتعة الذي يمكّنهم من الحصول على أوراق الإقامة.
ويقدر عدد الشيعة في بلجيكا وحدها بحوالي 30 ألف شيعي من مختلف الجاليات المسلمة، خاصة من المنحدرين من لبنان والعراق وسوريا وإيران وتركيا والمغرب، ويتمركز معظمهم في بروكسيل وانتويربن، وتعتبر تقارير غير رسمية أن المغاربة يتصدرون قائمة الشيعة في بلجيكا، ويناهز عددهم 20 ألفاً، وهو رقم مرشح للتزايد حسب قائمين على حركات وجمعيات تعنى بأحوال المغاربة الشيعة ببلجيكا.
وتظهر معطيات نشرتها صحيفة “الصباح” المغربية لتؤكد ما سبق بقولها: إن مئات من المغاربة قد “اهتدوا إلى عقيدة آل البيت عليهم السلام في بداية الثمانينات إثر انتصار الثورة الإسلامية المباركة”، وأن أغلبهم يسكن في بروكسيل وضواحيها، كما أن بضع عشرات من المغاربة قد تشيعوا "بفعل النشاط الإعلامي والدعوة إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام".
واستطاع المغاربة الشيعة بدعم من جهات إيرانية تأسيس مؤسستين تعنيان بأمورهم، هما مؤسسة “الرضا” ومؤسسة “الرحمن”، كما استطاعوا أن يحصلوا على متحدث باسمهم مع الجهات الرسمية سواء كانت السفارة المغربية ببلجيكا أو الحكومة البلجيكية.
وتعد بروكسيل المدينة الأولى من حيث النشاط “الدعوي” الشيعي ببلجيكا حيث يوجد بها:
- المركز الإسلامي الثقافي الشيعي ـ أهل البيت (عليهم السلام).
- مكتبة بيروت.
- جمعية الهادي المغربية.
- المساجد الخاصة بالشيعة ضمنها مسجد خاص بالأتراك الشيعيين وهو مسجد يؤمه كثير من المغاربة لأداء صلواتهم.
- جمعية الرضا عليه السلام” و”جمعية الزهراء” أو “حسينية الزهراء” و”جمعية الغري” بمدينة أنتويربن.
وتقوم هذه الجمعيات والمراكز الشيعية بتنظيم أنشطة “دعوية” متنوعة خصوصاً مجالس شهر رمضان ومجالس نهاية كل أسبوع، وأيضاً بتزامن مع الاحتفال بالمناسبات الشيعية و”الشعائر الحسينية”، فضلا عن سلسلة من الدروس والخطب المروجة للمذهب الشيعي.
ومن القيادات الشيعية المغربية في بلجيكا عزالدين لغميش، خريج الجامعة المغربية قبل التحاقه بالديار الأوربية، ويشغل في الوقت الراهن مهمة المسؤول الثقافي بمسجد الرضا ببروكسيل، وهو المسجد الذي شهد في السابق حادث تصفية إمامه المغربي الأصل عبد الله الدهدوه من قبل متطرف قيل إنه من السلفيين.
أما هولندا فيتوزع عدد من المؤسسات الشيعية على كامل التراب الهولندي، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، الحوزة الحسينية، “البرلمان الشيعي الهولندي” بروتردام، المركز الثقافي الإسلامي بأوتريخت، مركز أهل البيت بمدينة الميرا، مؤسسة الكوثر الثقافية بدنهاخ، ومؤسسة فاطمة الزهراء بأمستردام، كما يمتلك الشيعة عددا من المساجد يقارب العشرين وذلك بكل من دنهاخ، روتردام، ايندهوفن، آسن، أمستردام، ودوردرخت، وجمعية الطالب الإسلامية بإيسن، معهد التعليم الإسلامي بهانبورغ، ومؤسسة تراث أهل البيت ببرلين.
كما يعيش في الدانمارك حاليا أكثر من 300000 مسلم حسب تقديرات بعض المختصين، معظمهم من المنتمين إلى الجالية الوافدة من البلاد الإسلامية وتحديداً من الشام والعراق والمملكة المغربية وتركيا، إلى جانب مختلف الجنسيات الأخرى.
وينشط في كوبنهاجن المراكز الشيعية المرتبطة خاصة بالجالية العراقية كالمركز الثقافي العراقي (مجمع أهل البيت – مسجد الامام علي، الجمعية العراقية الدنماركية للتنمية والديموقراطية في العراق، مركز ومصلى الثقلين، منتدى العقيلة زينب عليه السلام، حسينية الغدير، حسينية الإمام الحسين، وأما خارج العاصمة فيوجد: حسينية أهل البيت، مكتب الشهيد الصدر في مدينة أولبورك، الجمعية العراقية الثقافية في بلدية رنغستيد، مؤسسة المهدي وغيرها من المؤسسات الشيعية.
المصدر : المرجع
22/1/1441
21/9/2019