حقيقة المذهب الخامس – أحمد محمود الحيفاوي

بواسطة أحمد محمود الحيفاوي - الحقيقة قراءة 2190
حقيقة المذهب الخامس – أحمد محمود الحيفاوي
حقيقة المذهب الخامس – أحمد محمود الحيفاوي

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد :

منذ عهد ليس بالقريب نسمع على لسان كثير من إخواننا مصطلح المذهب الخامس ويتم إضافته إلى المذاهب الإسلامية الأربعة المشهورة فهل في الحقيقة يوجد مذهب خامس هذا ما سنتناوله بإذن الله في ثنايا هذا البحث .

والمقصود بالمذهب الخامس هو مذهب جعفر الصادق رحمه الله وقبل الشروع نعرض بعض المقدمات التي لها علاقة بالموضوع .

تعريف المذهب :  

أولا: المعنى اللغوي لكلمة مذهب المذهب من ذهب ، يقال : ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا ، أي : مرَّ .

وتطلق على ذهب بمعنى مضى ، وذهب بمعنى مات ، وفي المعنيين يقال : ذهب الأثر ، أي : زال وأمحى .

والمذهب : الطريقة .

والمذهب أيضا : المعتقد الذي يذهب إليه صاحبه .

المعنى الاصطلاحي للمذهب : عـُرِّف المذهب بأنه : مجموعة الآراء والأفكار التي يراها أو يعتقدها إنسان ما ، حول عدد من القضايا العلمية والسلوكية .)الموسوعة الميسرة ( 2/1142) ، والموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 10) .

جاء في المعجم الوسيط تعريف المذاهب بأنها :

الآراء والنظريات العلمية والفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطا يجعلها وحده منسقة (المعجم الوسيط ( 1/317) ، وانظر علم الملل ومناهج العلماء فيه ص 20) .

والمذهب الفقهي هو : ما اختص به المجتهد من الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية المستفادة من الأدلة الظنية . ( د. عطية فياض ) .

جعفر الصادق (رحمه الله ) :

نشأ جعفر الصادق في بيت علم ودين ، وأخذ العلم عن أبيه محمد الباقر ، وجده لأمه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، المتوفى سنة (108هـ) أحد فقهاء المدينة السبعة المشهود لهم بسعة العلم والفقه .

قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء :

الإمام الصادق ، شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي ، الهاشمي ، العلوي ، النبوي ، المدني ، أحد الأعلام .

وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي ، وأمها هي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر ولهذا كان يقول : ولدني أبو بكر الصديق مرتين .

موقف جعفر الصادق من ابي بكر وعمر :

كان يغضب من الرافضة ، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا ، ولد سنة ثمانين ، ورأى بعض الصحابة .

عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر.فقال جعفر: برئ الله من جارك ، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ، عن سالم بن أبي حفصة قال : سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر، فقال : يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى .

وقال حفص بن غياث : سمعت جعفر بن محمد يقول : ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ، لقد ولدني مرتين .

جعفر بن محمد، وسئل عن أبي بكر وعمر، فقال : إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة .

عمرو بن قيس الملائي ، سمعت جعفر بن محمد يقول : برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر . (سير أعلام النبلاء ) .

نشأة المذاهب الإسلامية : لقد بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليُخرِج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد وكان صلى الله عليه هو المبلغ عن الله عن طريق الوحي وقد اخذ الصحابة أحكام الشرع من الرسول صلى الله عليه وسلم واجتهدوا  فيما يستجد من وقائع .

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار معلمين ومجاهدين بعد أن اتسعت رقعة البلاد الإسلامية ، وكان كل منهم يفتي بما بلغه من القرآن أو السنة أو بعملٍ رأى أبا بكر أو عمر يفعلانه أو بما أداه إليه اجتهاده. والمفتون من الصحابة أكثر من المائة ، المكثرون منهم -كما يقول ابن القيم - سبعة ، وهم : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وعائشة أم المؤمنين ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم جميعا .

وكان عمر رضي الله عنه ، وابنه ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم بالمدينة ، وتخرج بهم عدة تلاميذ من أمثال : سالم بن عبد الله بن عمر ، ونافع وغيرهما وانتهى علمهم إلى الفقهاء السبعة ثم إلى الإمام مالك بن أنس الأصبحي .

وكان ابن مسعود ثم علي رضي الله عنهما بالكوفة وقد استفاد منهما عدة من التابعين ، أمثال : علقمة والأسود ومسروق وشريح القاضي و صلة بن زفر وأمم غيرهم حتى انتهى ذلك إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت .

وقد انتشر الفقه والعلم في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبدالله بن عمر ، وأصحاب عبدالله بن عباس ، وكان ذلك في الكوفة والمدينة ومكة على التوالي ، وكان هؤلاء التابعون يُسْتَفْتَون وأكابر الصحابة حاضرون يُجَوِّزُون لهم ذلك .

وكانت المذاهب الإسلامية السنية المتبعة للحق من الكتاب والسنة والنابذة للابتداع في الدين ، بحسب ما نقله التلاميذ من الأئمة الكبار ، فصارت مسائلُ وأحوالُ كلِ إمامٍ مذهباً متبعا . (موقع الإسلام سؤال وجواب) .

المذاهب الفقهية الإسلامية لا تنحصر في أربعة مذاهب فقط ، بل هنالك  مذاهب أخرى مثل مذهب الإمام الثوري، ومذهب الإمام الأوزاعي ، ومذهب الإمام الطبري، ومذهب الإمام الليث بن سعد، وغير ذلك من مذاهب الأئمة، لكن المذاهب الأربعة المشهورة نالت قدراً كبيرا من التحقيق والعناية، بخلاف غيرها من المذاهب التي لم تلق هذه العناية ، وللعلم فإن المذاهب الأربعة وغيرها مذاهب اجتهادية في مسائل الشريعة الفرعية، ولكن لا يوجد اختلاف بين تلك المذاهب في الأصول والعقائد , وإنما الخلاف بينها محصور في دائرة الأدلة الظنية أي أمور الفقه ، التي يختلف فيها مسلك الاجتهاد بين أهل العلم .

قال أحمد طه الريان خلال محاضرته " مذاهب الفقهاء": كان هناك ثلاثة عشر مذهباً فقهياً في القرن الثاني الهجري،  وعندما جاء القرن الخامس الهجري لم يبق إلا المذاهب الأربعة .

حقيقة المذهب المنسوب إلى جعفر الصادق رحمه الله :كما بينا ان جعفر الصادق هو عالم من علماء المسلمين وهو مدني أي انه عاش ومات بالمدينة رحمه الله لكن العلة ليس في علمه ولا تقواه ولكن العلة في كثرة الكذب عليه .

كما انه كلما يذكر مذهب  الإمام جعفر الصادق يذهب الذهن إلى مذهب الشيعة الإمامية فهل هذا المذهب منسوب إلى جعفر رحمه الله هذا ما سنعرفه من النقاط التالية :

1- كل مَذهبْ مُعْتمدْ من المذاهب الإسلامية , فان تدوين ذلك المذهب اما يكون بالعالم المنسوب له ذلك المذهب هو كما فعل الإمام الشافعي رحمه الله حيث كتب كتابه الفقهي الام والرسالة في علم الأصول , وهذا الإمام مالك قد دون كتابه الموطأ والإمام احمد الف المسند في الحديث .

كما ان تلاميذ هؤلاء الأئمة المباشرين قد الفوا في المذهب وجمعوا ورتبوا مسائله وهكذا ، لكن المفارقة ان مذهب الإمامية يوجد فيه احد عشر إماما لم يؤلف واحدا منهم أي كتاب في الفقه أو الحديث ينسب إليه ، كما ان جعفر رحمه الله لم يترك له أي كتاب حديث أو فقه ينسب إليه أو حتى كتاب جمعه له أصحابه .

وما نسب من فقه إلى جعفر الصادق إنما الف بعد وفاته بمئات السنين دون سند صحيح تطمئن إليه النفس .

2-إن أقدم كتاب للرواية على الأبواب الفقهية مؤلف لدي الشيعة هو الفروع للكليني المتوفى سنة 329 هـ أي بعد وفاة جعفر الصادق بـ 180 عاما علما أن الشيعة أنفسهم قد صرحوا بتضعيف ثلثي روايات كتاب الكافي .

وللمفارقة العجيبة ان الكافي قد عاصر الإمام الحادي عشر عند الشيعة وهو الحسن العسكري ولم يروي عنه شيئا والمعروف ان الأئمة عند الشيعة هم بنفس الدرجة من العلمية والفقه فعلمهم لَدُني ويوحى إليهم ، فلماذا يَنقل عن جعفر الصادق والإمام الحسن العسكري عنده موجود !! .

كما ان الكافي قد عاصر زمن الغيبة الصغرى أي عاصر سفراء المهدي فلماذا لم ينقل عن المهدي نفسه عن طريق السفراء ؟ ، كل ذلك يثير الشكوك أصلا حول تلك الروايات حيث يروي عن البعيد والقريب موجود عنده ، وكما هو معلوم ان الكليني كان بالعراق .

3- من المفروض انه لو كان هنالك مذهب لجعفر الصادق رحمه الله يجب أن تكون مسائله موحدة ولا يوجد أي اختلاف بينها فالإمام عند الشيعة معصوم ويوحى إليه فلا يفتي إلا بالحق والصواب ولكننا نرى ان الشيعة مختلفون بينهم في كثير من المسائل الفقهية بل لكل عالم أو مرجع منهم رسالة عملية تختلف عن الأخر ، وهذا لم نقله نحن بل قاله أئمة الشيعة أنفسهم .

فلا تجد مسألة فقهية إلا ولجعفر الصادق فيها قولان أو أكثر فعلى سبيل المثال قال في البئر التي وقعت فيها نجاسة ، قال مرة : هي بحر لا ينجسه شيء ، وقال مرة : إنها تنزح كلها ، وقال مرة : ينزح منها 7 دلاء أو 6 . فأي الأقوال هو مذهب جعفر الصادق رحمه الله .

وقال الفيض الكاشاني في كتابه الوافي :

تراهم يختلفون (أي علماء الشيعة) في المسألة الواحدة إلى عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد ، بل لو شئت أقول : لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها .وذكر جعفر سبحاني في كتابه الرسائل الأربعة (ص20) : عندما نطالع كتابَي الوسائل والمستدرك مثلاً نرى إنه ما من باب من أبواب الفقه إلا وفيه اختلاف في رواياته ، وهذا مما أدى إلى رجوع بعض ممن استبصروا عن مذهب الإمامة هـ .

ان الخلافات الفقهية لا تكاد تحصى كثرة بين فقهاء (المذهب الجعفري) أو فقهاء الشيعة قديماً وحديثاً، وقد وصل بهم الخلاف إلى حد التفسيق بل التكفير ! .

4-ان الكثير من الأحكام الفقهية والعقائدية لا يمكن نسبتها إلى الإمام جعفر الصادق رحمه الله لان قسم منها لم يؤثر عليه أصلا فمثلا التمتع بالنساء وما يحيط بتلك المسألة من فتاوى منها التمتع بالزانية والرضيعة والضرب بالسلال والزناجيل والقامات أيام عاشوراء وتقديس المقامات والمشاهد واخذ الخمس فهل يعقل ان الإمام جعفر الصادق رحمه الله كان يجلس في بيته ويستقبل أموال الناس لا , بل كان أهل البيت هم من يضحي بأموالهم للناس والفقراء وكانوا رحمهم الله من ازهد الناس .

وهل يعقل ان الإمام جعفر الصادق وبقية أهل البيت كانوا يقولون بالتقية وتروى عنهم روايات بأنها دينهم ودين أبائهم ، هذا كذب فأهل البيت هم من أشجع الناس وأجرئهم على قول الحق .

وهل يعقل أن جعفر الصادق المدني كان يلعن أبي بكر وعمر وهو من قال ولدني أبي بكر مرتين فأبو بكر جده من جهة أمه ، وأيضا كانت كنية زين العابدين أبو بكر وهذا ما يذكره النوبختي الشيعي .

لا شك ان كل هذه الأدلة والقرائن تجزم بعدم وجود مثل هذا المذهب المنسوب إلى جعفر رحمه الله وان كان جعفر عالما في نفسه فلا يضره بعدم وجود مذهب ينسب إليه وهذا ما سنبينه لاحقا .

مسألة (1) : من المعلوم ان جعفر الصادق رحمه الله هو عالم من علماء المسلمين وعدم وجود مذهب ينسب إليه لا يقلل من شأنه ولا يُنزِلْ من قيمته فكثير من أهل العلم لم يُنسَبْ مذهب إليهم وكما بينا ان شرط المذهب ان تجمع أقوال العالم وتدون وتهذب وهذا لم يحصل إلا للأئمة الأربعة رحمهم الله وهذا صنيع تلامذتهم وأتباعهم .

فعن الشافعي رحمه الله قال : الليث (أي الليث بن سعد) أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به .هـ  أي ان تلامذته لم يُشهروا مذهبه بعكس الإمام مالك رحمه الله .

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/117) : " كان للأوزاعي مذهب مستقل عمل به فقهاء الشام مدّة، وفقهاء الأندلس مدّة، ثم فني " .

ذكر ان الشيخ أبي بكر عبد الغفار بن عبد الرحمن الدينوري الفقيه على مذهب سفيان الثوري ، كان آخر من يفتي على مذهب الثوري بمدينة السلام في جامع المنصور ، رحمة الله عليه ، وكان إليه النظر في الجامع والقيام بأمره ، مات في شوال سنة خمس وأربع مئة، ودُفِن في المقبرة خلف الجامع . اهـ

وابن جرير الطبري كان له مذهب ولكنه اندثر : وجاء أيضاً في معجم المؤلفين "  : أبو بكر بن كامل كان حيا قبل (310 هـ)) من أصحاب أبي جعفر الطبري ، والمتفقهة على مذهبه ، له من الكتب على مذهب الطبري : جامع الفقه ، الحيض ،الشروط ، والوقوف .

فإذا لا يُقلِلْ من شأن العالم أو الفقيه عدم وجدود مذهب ينسب إليه هذا إذا علم ان كثرة الكذب على أهل البيت كانت احد الموانع من الأخذ بكل ما ينسب إليهم .

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : فإنه قد كذب على جعفر الصادق - رضي الله عنه - ما لم يكذب على غيره ، وكذلك كذب على علي رضي الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم .

وقال : حتى يقال ما كذب على أحد ما كذب على جعفر - رضي الله عنه - ومن هذه الأمور المضافة كتاب الجفر الذي يدعون أنه كتب فيه ".

ويؤيد هذا ما ورد في كتب الشيعة : عن الإمام الصادق عليه السلام : ( إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس) . (رجال الكشي رقم 549) .

قال جعفر الصادق رحمه الله تعالى : "ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه" . ( الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني ص5) (والحدائق الناضرة للبحراني ج 1 ص 8) .

ومع هذا فان أهل السنة لم يتركوا الرواية عن أهل البيت كما يزعم الشيعة في تهويلهم الإعلامي ، بل ان الروايات المنسوبة لأهل البيت في كتب السنة أكثر مما موجود في كتب الشيعة .

فمثلا الحسن بن علي روى عنه الشيعة في الكتب الأربعة 21 رواية أما في كتب أهل السنة فلديه 35 رواية عند أحمد بن حنبل لوحده بلغت 18حديثا ... فمن روى عن الحسن أكثر ... أهل السنة طبعا .

الحسين وما أدراك ما الحسين عندهم روى عنه في كتب الشيعة الأربعة 7 أحاديث فقط .. وعند أهل السنة بلغت 43 وفي احمد بن حنبل لوحده بلغت 18يعني الضعفين تقريبا .. سبحان الله .

سنن النسائي روى عن الباقر 56 حديثا وعن الصادق 44 حديثا أما أبو بكر فعددها 22 وعثمان بلغت 27 حديثا .

أي أن أحاديث الباقر والصادق أكثر من أحاديث أبي بكر في سنن النسائي .

هذه عينة فقط وإلا فان هذا الموضوع فيه بحث تفصيلي يثبت أن روايات أهل البيت في كتب السنة أكثر منها في كتب الشيعة .

مسألة (2 ) : بعض علماء أهل السنة  جوز التعبد بالمذهب الجعفري : اشتهر عن الشيخ محمود شلتوت القول بجواز التعبد بالمذهب الجعفري .

إن صحت تلك الفتوى التي ينكر صدورها الشيخ القرضاوي الذي عايش الشيخ شلتوت عدة سنوات واستطرد قائلا : "تراث الشيخ شلتوت أنا أعلم الناس به .. ما رأيت هذه الفتوى ، أين هذه الفتوى ؟" .

وأكد الشيخ العسال ما ذهب إليه الشيخ القرضاوي ، قائلا : "هذا كلام صحيح (حديث القرضاوي) والله على ذلك شهيد" ، وأضاف : "عندهم (أصحاب المذهب الجعفريمبدأ عصمة الأئمة ، وهذا لا يجوز شرعا ، لأن أنبياء الله تبارك وتعالى هم المعصومون" .

وقد اعترض على تلك الفتوى الكثير من علماء مصر ، ولكن نقول على سبيل صحتها ومن باب التنزل .

ان كثير من العلماء كانوا بعيدين عن مواطن التشيع ولم يطلعوا عليه ويَخبَروهْ كما انهم لم يطلعوا أيضا على كتب الشيعة وأحسنوا الظن بهم كما ان بعض أهل السنة يتميز بالطيبة الزائدة وإلا فهل يقبل الشيخ شلتوت أن يتعبد أهل السنة بالمتعة ولعن أبي بكر وعمر التي تعج بها كتب الشيعة وغيرها من الأحكام التي يعترض عليها اصغر سني ولا يقبل بها .

في المقابل لم نسمع ان الشيعة قد أجازوا التعبد بالمذاهب السنية واليكم فتوى المرجع حسين فضل الله وهو الذي ينعت بداعية التقريب ورمز الاعتدال :

حيث سئل محمد حسين فضل الله : هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة ، وكذلك بقية المذاهب غير الشيعية ؟ فأجاب : " لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة "( مسائل عقائدية )الطبعة الثانية ص 110) .

كما انه تهرب من الجواب في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة لنفس السؤال وهو هل يجوز التعبد بالمذهب السني .

يضاف إلى ذلك ان أبا حنيفة ومالك والشافعي واحمد بن حنبل هم مطعون بهم عند الشيعة واليكم الأدلة .

يقول محمد الرضي الرضوي في كتابه كذبوا على الشيعة  (ص 279) ما نصه ولو أن أدعياء الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم ، ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل .

روى الكليني في الكافي (1/58) ط : طهران : عن سماعة بن مهران عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى في حديث: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون منها - وأومى بيده إلى فيه - ثم قال : لعن الله أبا حنيفة كان يقول : قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة .

ويقول شيخهم الأوالي هو يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي الأوالي البحراني : ذكر نبذة من أحوال أئمتهم الأربعة وسائر علمائهم المبتدعة ، وما أحدثوه في الدّين من البدع الفظيعة ، لا سيما من بينهم أبو حنيفة صاحب البدع الكسيفة ، ومَن ليس له من الله خيفة ! .

ويقول الخميني في الرسائل (2/175) : ومنها ما شرعت لأجل مداراة الناس وجلب محبتهم ومودتهم … ومنها التقسيم بحسب المتقى منه ، فتارة تكون التقية من الكفار وغير المعتقدين بالإسلام ، سواء كانوا من قبل السلاطين أو الرعية ، وأخرى تكون من سلاطين العامة وأمرائهم ، وثالثة من فقهائهم وقضاتهم ، ورابعة من عوامهم … ثم إن التقية من الكفار وغيرهم قد تكون في إتيان عمل موافقاً للعامة ، كما لو فرض أن السلطان ألزم المسلمين بفتوى أبي حنيفة وقد تكون في غيره .

هذه هي قيمة مذاهب اهل السنة عند الشيعة !! .

مسألة (3) : دراسة ابي حنيفة عند جعفر الصادق :

اشتهر كثيرا عند العوام ان الإمام أبو حنيفة قد درس عند جعفر الصادق ويستدلون بمقولة انه لولا السنتان لهلك النعمان وان الإمام مالك تلميذ أبو حنيفة والإمام الشافعي هو تلميذ مالك وان الإمام احمد تلميذ الشافعي فإذا الأئمة الأربعة قد اخذوا علمهم عن جعفر الصادق .

ولرد هذه الشبهة نقول انه من المستبعد جدا أن يكون أبو حنيفة من تلاميذ جعفر الصادق وذلك لعدة أمور منها :

أولا : قال ابن تيمية : «إن هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم ، فإنّ أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق ، توفّي الصّادق سنة 148، وتوفّي أبو حنيفة سنة 150، وكان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق ، وما يعرف أن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ولا عن أبيه مسألة واحدة» .

وقال : وجعفر بن محمّد هو من أقران أبي حنيفة ، ولم يكن أبو حنيفة ممن يأخذ عنه مع شهرته بالعلم .

ولذا فان جعفر الصادق رحمه الله لم يعد من شيوخ أبي حنيفة الذين أخذ العلم عنهم :

ولأبي حنيفة شيوخ كثر ولهذا كان واسع العلم دقيق الاستنباط قال أبو المؤيد الخوارزمي : أمر الإمام أبو حفص الكبير بعَدِ مشايخ الإمام أبي حنيفة فبلغوا أربعة ألاف . (تنوير بصائر المقلدين ص56) .

قال الذهبي في السير : وروى عن عطاء بن أبي رباح ، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال...وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه . هـ

فإذا الشيخ اللصيق والمباشر لأبي حنيفة هو حماد رحمه الله .

ثانيا : ثم ان المذهب الحنفي هو مزيج من أقوال أبي حنيفة وتلامذته ابو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني لان الإمام ابو حنيفة من دقة إنصافه وتحريه كان يستشير أصحابه في المسائل ويناقشهم ليصل إلى نتيجة في المسائل الفقهية .

يقول "الموفق المكي " بعد أن ذكر كبار أصحاب أبي حنيفة : " وضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم ، لم يستبد فيه بنفسه دونهم ، اجتهادا منه في الدين ، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين ، فكان يلقي المسائل مسألة مسألة ، ويسمع ما عندهم ، ويقول ما عنده ، ويناظرهم شهرا أو أكثر ، حتى يستقر أحد الأقوال فيها ، ثم يثبتها أبو يوسف في الأصول كلها ، وهذا يكون أولى وأصوب ، وإلى الحق أقرب ، والقلوب إليها أسكن .. من مذهب من انفرد ، فوضع مذهبه بنفسه ، ويرجع فيه إلى رأيه" (حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي ص13-15) .

يقول الأستاذ "علي الخفيف"  : " لقد أطلق هذا الاسم (المذهب الحنفي) على مجموعة الأحكام التي عرفت عن أبي حنيفة وأصحابه.وإنما نسب المذهب إلى أبي حنيفة لأنه كان عميدهم وأستاذهم وإن كانوا جميعا من أهل الإجهاد المطلق يستوون فيه" . ( راجع محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء – علي الخفيف- ص 269) .

يقول "ولي الله الدهلوي" في كتابه "الإنصاف" : " و إنما عد مذهب أبي حنيفة مع مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى واحدا ، مع أنهما مجتهدان مطلقان ، مخالفتهما غير قليلة في الأصول والفروع ، لتوافقهم في هذا الأصل ، ولتدوين مذاهبهم جميعا في "المبسوط" و"الجامع الكبير" . (الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف -ولي الله الدهلوي- ص 40-41) .

ثالثا : أما بالنسبة لرواية السنتان هذه فلا توجد في كتب الحديث ولا تعرف في كتب السنة ولا كتب الشيعة القديمة ولذلك لم تشتهر هذه المقولة إلا عند كتب الشيعة المعاصرين ولم يذكرها علمائهم القدماء ، ولعل عمدتهم في هذا كتاب التحفة الإثني عشرية .

رابعا : مالك رحمه الله لم يأخذ عن أبي حنيفة رحمه الله شيئًا ، بل العكس هو الصحيح فرغم أن أبا حنيفة كان أكبر من مالك بـ 13 أو 15 سنة ، فإن أبا حنيفة هو الذي تتلمذ على مالك ، وقد أثبت بعض الحفاظ أن أبا حنيفة روى عن مالك حديثين ، ومسألة رواية أبي حنيفة عن مالك محل نقاش بين المحدثين ، لكن لم يقل أحد إن مالكا روى عن أبي حنيفة شيئا .

ثم إن القول الراجح عند الحنفية في معظم أبواب الفقه هو قول محمد بن الحسن الشيباني ، حتى إن الحنفية يقدمون قول محمد على قول أبي حنيفة عند الاختلاف ، ومحمد بن الحسن كما هو معلوم هو تلميذ مالك وراوي موطئه ، وهذا يثبت أن أثر مالك على فقه الحنفية أكبر بكثير من أثر أبي حنيفة على فقه المالكية ، لو سلمنا جدلا بوجود شيء من هذا الأثر .

ثم ان  المذاهب الثلاثة ( المالكي والشافعي والحنبلي ) معروف أنها مدرسة مستقلة في الفقه يعرف أصحابها بأهل الحديث ، بخلاف المذهب الحنفي فهو مدرسة أخرى في الفقه يعرف أصحابها بأهل الرأي ، وهذا يؤيد عدم أخذ الأئمة مالك والشافعي وأحمد عن أبي حنيفة .

بل الإمام أحمد بالذات كان له موقف شديد من أبي حنيفة ، وكان يحذر أصحابه منه بسبب الاختلاف في بعض مسائل الاعتقاد ، مما يؤكد أن المذهب الحنبلي ليس مأخوذا عن أبي حنيفة . (وليد بن إدريس المنيسيّ السُلميّ عن ملتقى أهل الحديث) .

يقول ابن تيمية رحمه الله : أما مالك فان علمه عن أهل المدينة وأهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علي بل اخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد وعمر وابن عمر ونحوهم أما الشافعي فانه تفقه أولا على المكيين أصحاب ابن جريج كسعيد بن سالم القداح ومسلم بن خالد الزنجي وابن جريج اخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء وغيره وابن عباس كان مجتهدا مستقلا وكان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر وعمر لا بقول علي وكان ينكر على علي أشياء ثم أن الشافعي اخذ عن مالك ثم كتب كتب أهل العراق واخذ مذاهب أهل الحديث واختار لنفسه وأما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان وحماد عن إبراهيم وإبراهيم عن علقمة وعلقمة عن ابن مسعود وقد اخذ أبو حنيفة عن عطاء وغيره وأما الإمام احمد فكان على مذهب أهل الحديث اخذ عن ابن عيينة وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر واخذ عن هشام بن بشير وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي واخذ عن عبدالرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأمثالهما وجالس الشافعي واخذ عن أبي يوسف واختار لنفسه قولا وكذلك إسحاق بن راهويه وأبو عبيد ونحوهم (منهاج السنة(7/529)) هـ .

ولو سلمنا جدلا ان الأئمة الأربعة فقههم مأخوذ من جعفر الصادق فهذا دليل لأهل السنة ان جعفر الصادق رحمه الله كان سنيا وليس رافضيا شيعيا .

مما سبق يتبين انه لا يوجد هنالك مذهب لجعفر الصادق رحمه الله ولا مذهب خامس بل هنالك مذهب للشيعة الرافضة منسوب لجعفر الصادق ظلما وعدوانا ومن يطلع على هذا المذهب وعلى الطامات التي توجد فيه يصل إلى انه من المستحيل نسبة تلك الطامات إلى أهل البيت رضوان الله عليهم كما انه لا يوجد هنالك مذهب خامس يضاف إلى المذاهب الإسلامية الأربعة للتناقض الواضح بين أصحاب تلك المذاهب المطعون بهم من قبل الشيعة كما مر وبين مذهب التشيع الذي من أصوله مخالفة أهل السنة وسب وتكفير رموزهم وهدم عقائدهم .

لعل هذه تكون تذكرة لبعض إخواننا الذين يكررون تلك العبارة أي المذهب الخامس وكما قال تعالى :  {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } الذاريات - 55 .

أحمد محمود الحيفاوي 

تحميل


مقالات ذات صلة